هل داعش نبتة سلفية؟

هل داعش نبتة سلفية؟

كتب الشيخ عادل الكلباني وفقه الله تغريدة موجزة تحدث فيها بكل اختصار ومباشرة بأن داعش نبتة سلفية، وقد أثارت هذه التغريدة حفيظة السلفيين الذين اعتبروا هذه التغريدة فرية عليهم، وأنه يلزم من قوله هذا أن تكون داعش نبتة إسلامية، فالسلفية (بكل حمولة آرائهم المعاصرة وليس السلف الذين لم تُروَ لنا كل مواقفهم) والإسلام صنوان لا يفترقان، فلو صحت مقولة أن داعش نبتة سلفية فهيإذن نبتة إسلامية، هكذا ردوا على الرجل.

هل الإرهاب نبتة سلفية؟

هذه المشكلة ليست جديدة بالنسبة لي، فأذكر أنني واجهت مثل هذا السؤال في عام ٢٠٠١م بعد أحداث سبتمبر، حيث يمكن أن أعيد صياغته على هذا النحو: هل الإرهاب نبتة سلفية؟، طبعا وجدت الإجابات متنوعة حسب الأيديولوجية التي ينتمي إليها الشخص، بل وأحيانا حسب الحقل العلمي الذي ينتمي إليه، ومشكلة السؤال الذي طرحه الكلباني هو أنه حدد جماعة بعينها لها أفكارها ورموزها ودولتها وتصرفاتها المتعددة تجاه المختلف معها من مسلم وكافر وغيرهم.

بينما السؤال الثاني قد حدد الفكرة وهي الإرهاب تجاه مدنيي دول غير مسلمة، بتوجيه أعمال محددة يقصد بها أعمال سياسية معينة،وأنا أعتبر ان الجامع بين السؤالين هو الدائرة التي ينطلق منها المجيب، ففي سؤال عام ٢٠٠١، كانت إجابة الصهيوني أو المسيحي الحاقد على الإسلام أن الإرهاب نبتة إسلامية، وكانت إجابة العلمانيين العرب أن الإرهاب نبتة الحركات الإسلامية، بينما داخل الدائرة الإسلامية تجد مثلا خصوم السلفية من بعض الليبراليين في السعودية (حسب استخدام مفهوم الليبرالية عندنا) يقولون بأن الإرهاب نبتة سلفية، وبعض الإسلاميين – سواء كانوا حركيين أو من اتجاهات صوفية – ينسبون الإرهاب إلى كونه نبتة وهابية، ثم تجد أصحاب الحقول العلمية يختلفون كلاً حسب اهتمامه، فتجد النفسيين ينسبون الإرهاب إلى التكوين الفردي والاجتماعي في ظل أوضاع قهرية معينة تنتج لنا شخصا إرهابيا، وأما السياسيون فلا ينسبون الإرهاب إلا إلى الإخفاقات السياسية في العالم الإسلامي – سواء كانت إخفاقات أنظمة سياسية داخلية، أو إخفاقات أنظمة سياسية جمعية أي تعاون سياسي عربي في معالجة مشاكل العرب والمسلمين -، وأما السلفيون – وبالتحديد الوهابية – فوجدت كثيرا من التصريحات تحدد أن مشكلة الإرهاب هي خارجية، وليست دينية تعود لتصرفات أمريكا السياسية تجاه قضايا العالم الإسلامي وهذا هو الذي أنتج لنا الإرهاب وسببه!.

رمزية النبتة والسلفية المنقودة عند الشيخ عادل الكلباني

لا أريد أن أحمّل كلام الشيخ الكلباني أفكارًا وتحليلات تخصني، لكني أريد أن أوضح أنه عندما نريد أن نصف شيئا قد تضخم وأصبحت سوقه واقفة وثماره السيئة قد أينعت، وآثار وجوده السلبية قد انتشرت؛ فإننا نرغب دائما في تحديد أصله، فلما نقول: أصله نبتة فلانية؛ فإننا نعني أن المشكلة تكمن في جذور الموضوع، وليست في نوعية الظروف التي تحيط به من عناصر مغذية أو مستفزة له من ماء ومناخ وتربة، بل المشكلة في جذور النبتة، هذا ما يمكن لي أن أفهمه من رمزية النبتة.

لكن دعني أفهم كلام الشيخ الكلباني في حدود طرحه لمفهوم السلفية، وحدود ما يعنيه من نقده للسلفية، ببساطة: الشيخ الكلباني هو نفسه سلفي، فليس هو – أساسا – خارج هذا الإطار، وسيتضح الأمر أكثر بتوضيح الضربات الإعلامية التي مر بها الشيخ الكلباني، أعتقد أن الكلباني مر تاريخه الإعلامي بثلاث ضربات إعلامية – إن صح التعبير -، أو نقول: ثلاث فلاشات إعلامية:

الفلاشة الأولى: تكفير الشيعة، فقد ظهر يكفر الشيعة، وهذا الرأي بالمناسبة أصبح الآن هو الغالب على السلفيين (تبعا للصراعات السياسية)، مع أنه في السابق – كما أدركت كثيرا من السلفيين ومنهم الشيخ ابن عثيمين الذي خالف ابن جبرين – لم يكونوا يكفرون الشيعة الاثنى عشرية وفقا لرأي ابن تيمية، وهو في هذه الفلاشة كان مرضيا للسلفيين، وبالأصح النفس الوهابي.

الفلاشة الثانية: قضية تعيينه إمامًا في الحرم ولون بشرته، سواء كان نسبها سببا للمنع من التعيين أو تعجبًا من وجودها، وهذه ليس فيها احتكاك مباشر بالسلفية.

الفلاشة الثالثة: قضية ترجيحه لجواز الغناء، وهي التي فتحت عليه أبواب جهنم من قبل السلفيين، ومن قبل أتباعهم وسفهائهم، فظهرت فتوى لأحد كبار العلماء تنص على عدم جواز الصلاة خلف مجيز الغناء، ثم ظهرت ردود كثيرة عليه في وسائل التواصل الاجتماعي – خصوصًا في بداية تسجيل حسابه بتويتر – امتلأت بسيل عارم من النقد الجارح، وسوء الأدب والعنجهية، حتى وقع لمز في لون بشرته، ولمز بكونه مجرد قارئ جيد للقرآن ليس إلا ولا علاقة له بالفتوى، وكل هذه النقود الجارحة وسوء الأدب ظهرت من أشخاص يفترض أنهم يدافعون عن الدين وحرماته غيرة عليه، لأن من كان هذا وصفه وجب عليه أن يتحلى بخلق الإسلام وخلق القرآن، لكن يبدو لي – والله أعلم – أن هذه القضية الأخيرة غيّرت نظرة الشيخ في البيئة العلمية والتربوية التي تنتسب إليها سلفيتنا، وبدون شك؛ فإن كل منصف متابع سيقف نفس موقف الشيخ عادل وينظر بتعجب لهذا العنف اللفظي الذي لولا وجود دولة وقانونل؛ كان قد تحول إلى عنف من نوع آخر يزدري فيه مخالفه، بل ويخفي صوته ويخنقه قدر المستطاع.

هذه الفلاشة الأخيرة تساعدنا في فهم تطور موقف الشيخ الكلباني من العنف واللاتسامح السلفي من المختلف، وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم السلفية الذي يقصده الشيخ الكلباني في الغالب هو النسخة الوهابية النجدية من السلفية، وليست السلفيات بشكل عام، التي تضم غالب التيارات الإسلامية سواء كانت علمية أو حركية، لذا فحديثه منصبٌّ على هذه السلفية التي لا تؤسس – لا على المستوى العلمي ولا على المستوى التربوي والعملي – مساحة من التسامح مع المختلف القريب أو المختلف البعيد، والتي أظهرت تجربة الشيخ الكلباني في فتوى الغناء كل مساوئ هذا التيار.

لذا، أعتقد أن الشيخ الكلباني يعني بوصفه لداعش بأنها نبتة سلفية عدة أمور:

١- داعش تعتبر سلفية، كل مرجعيتها كتب التيار السلفي بنسخته النجدية، ورسائل وفتاوى أئمة الدعوة النجدية.

٢- كل نظريات التكفير تعتبر وهابية بامتياز.

٣- الأسلوب التربوي في كراهية الآخر وعدم الرحمة به.

٤- الأسلوب التربوي في التعامل مع المخالف.

ربما هذه أهم الملامح العامة للطرح البسيط الذي يعنيه الشيخ عادل الكلباني.

هل فعلاً داعش نبتة سلفية؟

لكن دعني أجتهد في الإجابة على هذا السؤال بتفصيل يوضح أن الجواب: نعم، داعش نبتة سلفية بنسختها النجدية، وفي نفس الوقت؛ أنبِّه إلى أن تعبير النبتة تعبير لطيف، يقتضي وجود الخلاف بين النبتة الأساس وبين واقعها الآن، فلما نقول:”نبتة”، فنحن لا نعني أنها مطابقة للسلفية النجدية أو التي يسميها البعض وهابية، فلا شك أن هناك خلافات كثيرة لكن ما حقيقة التوافق وما حقيقة الخلاف؟

أحب أن أقول بكل صراحة: الفقه الوهابي كما هو مصرح به في كتب مشايخ الدعوة النجدية قد يكون سهلا على الكثيرين لما يقرأونه في الكتب، لكن لما يكون واقعا معيشًا وممارسًا؛ تعرف أن هذا الفقه العقدي الوهابي في نبذ المخالف ونفيه كثير البشاعة في الواقع.

وبمتابعتي لأهم عناصر داعش الفكرية؛ مثل تركي بنعلي، وعثمان آل رازح، وصالح العويضي، وغيرهم من طلبة العلم، الذي يعتبر تكوينهم الفكري سلفيًا ووهابيًا بالدرجة الأولى، مع ملاحظة أنهم لا يتحملون كل تصرفات دولة داعش وأخطائها، وإن كان يتحملون كثيرًا من التنظيرات التي قاموا بها دفاعا عن الدولة، ولا يهمنا هنا نسبة كل الأخطاء ولكن نسبة المسلّم به عندهم جميعا.

الدعوى التي أدعيها: أن داعش هي نسخة سلفية وهابية، لكن تختلف مع الوهابية فقط في تحقيق المناطات، وبتعبير عامي: الخلاف فقط في أن داعش “وسيعة ذمة” أكثر من ناقديها من الوهابيين والسلفيين وتياراتهم الجهادية والحركية.

وأريد أن أوضح أن سبب تكوين داعش وتضخم انضمام شباب المسلمين لها قضية أخرى غير بحث التكوين الديني لداعش، فدراسة القضية الأولى تعني توسيع دائرة البحث لتشمل التكوين الديني والتربوي والسياسي المحلي والدولي وغيرها من الأسباب التي أسهمت في تكوين هذا المخلوق العجيب “داعش”، لكن بحثنا هنا هو التكوين الديني فقط.

التكوين الديني

التكوين الديني لداعش يقوم على مسلمات تنظيرية تخص السلفية وليس الإسلام كما يزعم البعض، وأعني بذلك: أنه يخرج عن خصوصيتهم كل مسألة فيها خلاف معتبر عند المسلمين، وكما هو معلوم؛ فإن التكوين المرجعيلداعش بشكل عام هو مثل السلفية، فإنهم مثلهم يزعمون مصدرا للتشريع بعد الكتاب والسنة هو فهم السلف الصالح، وهذا الأمر يجملونه بشكل غُفْل، فليس هو الإجماع ولا هو التفرد (برأي واحد من السلف)، وهذه الإضافة أعني (فهم السلف الصالح) أمر محدث ذكره بعض المتأخرين، وسببه محاولة التمييز عن المدارس الكلامية في الإسلام التي أدخلت منظومات فكرية محدثة على علمي أصول الدين والفقه، وإن كان هذا الموضوع يحتاج معالجة أخرى غير التعبير بمسمى فهم السلف الصالح الذي قد عالجت بعض جوانبه في بعض مناقشاتي، وليس هذا محله، والمراجع الفكرية في داعش تتفق مع السلفية في هذه المرجعية بدون أدنى شك.

بقي أن أعرض على عجالة أهم المسائل الرئيسة لداعش الموافقة للسلفية بنسختها النجدية ثم أعرض مناط الخلاف بينهما:

نقاط التوافق

أولا: الأصل في الحياة الحرب وليس السلم، وبقاء الجهاد يعني وجود القتال ما بقي الكفر، وليس للعالم إلا ثلاث: إسلام، أو جزية، أو قتال، وهذا رأي غير صحيح انتشر في أدبيات السلفية وخصوصا النجدية منها، والحقيقة أن الأصل المقرر عقلا وشرعا هو السلم وليس الحرب، وذلك لأن الحرب تعتبر طارئة لرفع الظلم أو منع حدوثه.

الثاني: أن الأصل في الكافر حل دمه، فليس مطلق الإنسان عندهم محرم الدم، وهذا وإن كان رأيا قديما أيضا إلا أن خير من دحضه الحنفية في كتبهم بعقل صحيح ونقل صريح، فالأصل حرمة دم الإنسان أو النفس (كما هو تعبير القرآن) كما قال سبحانه “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” فالمستثنى أقل من المستثنى منه.

الثالث: قولهم بأن الأصل في سبب القتال (الجهاد) هو الكفر وليس وجود الاعتداء والظلم سواء كان واقعا أو كان متوقعا حدوثه، وليس سببه وجود الاضطهاد الديني بل مجرد وجود الكفر حتى مع وجود العدل وحرية الممارسة الدينية، ثم ينتهون في الأخير بأن الغاية إخضاع العالَم للشريعة، وهذا الرأي غير صحيح ولو كان وُجد من قال به في الفقه الإسلامي قديما، فسبب القتال في القرآن هو وجود الظلم والاعتداء واقعا؛ كما في قوله تعالى”أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا” أو متوقعا حدوثه كما في تعليل آية السيف “كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة”.

الرابع: تكفير الديمقراطية، بمعنى أنهم يرونها كفرا، وذلك لأنها حكم الشعب وليست حكم الشريعة، وأن فيها سيادة للشعب وليس للشريعة، ثم إنها تخضع الشريعة للتصويت وهذا كفر عند أكثرهم! وهنا تطور طفيف عند بعض السلفيات المعاصرة وخصوصا بعد الثورات العربية، إلا أن السلفية النجدية لا تزال تقرر كفرها، وهذا معروف في أدبيات الترسانة السلفية الجهادية التي من صميم منهجها تكفير الديمقراطية، وإن كانت فلسفة الحكم بل والشريعة وأصول الفقه تحمل تشويشا كبيرا وتقليدا فظيعا، فهي عاجزة أيضا عن قراءة ونقد الفلسفات الغربية الحديثة ومناهجها في العلوم السياسية، وسبب ذلك يعود لضعف الاجتهاد وحرية البحث في المدارس السلفية التي ترفض بل وتطرد الآراء النقدية الحرية من ساحتها ومن جامعاتها ومدارسها؛ كما هو مجرب ومعلوم لنا نحن أبناء هذه المدرسة الذين درسوا في محاضنها سنوات طويلة، سواء كانت في المدارس النظامية أو التقليدية.

الخامس: تقرير السلفيات المعاصرة – والنجدية خصوصا – تكفير القوانين الوضعية، بل تقرير أن الوضع كفر من الأصل، حتى أصبحت كلمة شنيعة عن أي طالب علم سلفي، مع أنه لا حياة إلا بقوانين وضعية هي أغلب التشريعات التي تعيش فيها أي دولة! ولا تتحول إلى كونها شرعية إلا بختوم الفقهاء(المشرعين) مع أن الأصل شرعية القوانين الوضعية التي تضعها الأمة من خلال ممثليها ومن غير اختصاص للفقهاء، ما لم تخالف الشريعة، لا أن يكون العكس.

السادس: تكفير مظاهرة الكفار وتختلف مستويات تفسيرها عند السلفيين من المظاهرة وتحقيق مناطات أنواعها، حتى يصل التطرف عند بعضهم إدخال مجرد عمل علاقات دبلوماسية ودية مع دول الكفر، وحتى يدخل البعض مجرد وجود الدعم أو التعاون الدولي وفقا لمؤسسات ومنظمات النظام الدولي، بل حتى وجود الدعم من دولة مسلمة تم تكفيرها يعتبر الاستعانة بهم كفر إذا كان موجها لهم، ومن الأمثلة التي حصلت في تاريخ مشايخ الدعوة النجدية أنه لما غزى الأتراك بلاد التوحيد “نجد وما يلحقها” ألف الشيخ سليمان بن عبد الله كتاباً – سُميَ بالدلائل – على ردة وكفر من أعان هؤلاء وظاهروهم وإن كان ليس على دينهم – في الشرك – وذكر فيه أكثر من عشرين دليلاً على ذلك، وسمي الجيش الغازي (جنود القباب والشرك)، وكذلك في رسالة للشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ إلى الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله بشأن استعانة عبد الله بن فيصل الإمام في ذلك الوقت بالعثمانيين ضد أخيه سعود بن فيصل لما تغلب عليه الأخير في معركة (جودة) في حوادث عام 1289 هـ تقريباً قال فيها “وعبد الله له ولاية وبيعة شرعية في الجملة، ثم بدا لي بعد ذلك أنه كاتب الدولة الكافرة (الدولة العثمانية) واستنصرها واستجلبها على ديار المسلمين فصار كما قيل:

والمستجير بعمرٍ عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

فخاطبته شفاهاً بالإنكار والبراءة وأغلظت له بالقول وإن هذا هدم لأصول الإسلام وقلع لقواعده”[i]

السابع: القول بأن من لم يكفر الكافر أو شك في كفره فهو كافر، ومعروف أن هذا الناقض الذي تذكره أدبيات الوهابية في نواقضها للإسلام لا يكون ذا فائدة إذا قُصد به الكافر الأصلي، فالمسلم لا يحتاج تأكيد أن الكافر الأصلي خارج من الملة، لذا فالمعروف أن هذا الناقض يستخدم وقت الحاجة السياسية في تكفير من لم يكفر المرتدين أو يشك في كفرهم، وإلا لا فائدة منه في الحياة المدنية السلمية، وتكفير المرتد أساسا تكفير ظني ما لم يكن هناك إقرار صحيح سليم من المرتد، فكيف يكون من يشك في كفره مرتدا؟!

ومن اللطيف أن أجد هذا الشاهد المناسب لهذه النقطة حيث يقول الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ في تكفير آل الرشيد حكام منطقة حائل المؤيدين للدولة العثمانية:

“ومن يعرف كفر الدولة (العثمانية) ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله، فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة (العثمانية) مسلمون، فهو أشدّ وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله أو أشرك به، ومن جرّهم أو أعانهم على المسلمين بأي إعانة، فهي ردّة صريحة”[ii]

الثامن: تكفير الأنظمة العربية وقياداتها، وهذا يخص السلفية الجهادية، وأما السلفية الوهابية فهي انتقائية في موضوع التكفير للدول، ويستثنى هنا السلفية الألبانية والسلفية الجامية، وبعض المكفرين يضيفون الجيش والشرطة، وبعض الغلاة يعمم الحكم بالكفر كل من عمل في الدولة.

التاسع: رفض النظام الدولي والمشاركة فيه، وأنه لو وجدت مشاركة فهي من باب الضرورة، وإلا فالواجب الهيمنة على النظام الدولي- وهذا تقرير سلفي معروف، فليس في أدبيات السلفية مشاركة العالم على مبادئ العدل والسلم والحرية، بل إما الإسلام أو خضوع العالَم للإسلام وشرائعه أو القتال، وسبب هذا أن تفسير العدل في الفكر السلفي لا زال محل التباس، على الرغم من تنوع الشرائع المعترف به في القرآن “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا” وهذا التنوع في الشرعة مخاطب به البشر وليس المؤمنين فقط كما هو سياق الآية، وليس بحصر القرآن في تفسير المفسرين.

العاشر: القول بحد الردة وهذا رأي لا يخص السلفية بل يعم الاتجاهات الإسلامية، وقليل من الفقهاء من يعارض هذا الرأي، ويناقش بجرأة موضوع حد الردة، مع أن الأدلة فيها ظنية بل وهمية، والسبب سلطة التدوين الفقهي على الناس، وكأن الشريعة والإجماعات مربوطة فقط بالتدوين الفقهي.

الحادي عشر: القول بتكفير النصيرية “تكفير ردة” وليس بكونهم كفارا أصليين، فهنا مسألتان: الأولى: القول بأنهم مرتدون وليسوا كفارا أصليين، والثاني: القول بأنهم يقتلون على كل حال ولو سالموا لكونهم مرتدين، وهذا الرأي سلفي قديم، وهو رأي باطل في المسألتين: فالنصيرية حسب عقائدها تعتبر مفارقة للإسلام لذا فكفرها كفر أصلي، والثاني: أن الكافر الأصلي لا يقتل لمجرد كفره بل يقتل لاعتدائه الذي لا يدفع إلا بالقتل، كما أن ربط القتل بالردة لا نسلم به.

الثاني عشر: تكفير الشيعة الاثنى عشرية، وهذا أصبح الرأي السلفي الشائع الآن، ولا يعذرون بالجهل والشبهة، وهو رأي سلفي قديم وهو الغالب على السلفية النجدية إلا من وافق ابن تيمية في عدم تكفيره لهم مثل شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.

الثالث عشر: الموقف من الخلافة وطموح رجوعها بشكلها التقليدي، وتطور الفكر السلفي الجهادي في وجوب إرجاعها بشكلها التقليدي خصوصا مع تكفير الديمقراطية وما تأتي به من توزيع وفصل بين السلطات، ومن إعادة انتخاب الرئيس وعدم ديمومته، ومن لا مركزية إدارية إلخ من الأنظمة الإدارية الحديثة التي تتحول عن الفقه السلفي السياسي العقيم لمجرد تعبديات محضة تهدف لجمع المسلمين في دولة واحدة تحت خليفة لا يزيحه إلا موت أو عجز أو “سقوط شرط من شروط استحقاق الخلافة”!

الرابع عشر: الخضوع والطاعة للمتغلب بإطلاق، وهذا الرأي يطبق الآن فتتقاتل الفصائل الجهادية بعضها ضد بعض ليكون فريق متغلب على آخر.

الخامس عشر: الاتفاق مع السلفية النجدية في أدبيات كتاب التوحيد وكتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب بشكل عام، وهذا مقرر في التغيير باليد مباشرة مع استفزاز الناس وعدم إقناعهم بخطأ معتقداتهم، فلا اعتراف بحرية العبادة في السلفية للمخالفين لهم، حتى ولو كانت ديانات راسخة ولها أتباعها في كل مكان، فالنظر عندهم متعلق بمجرد إزالة المنكر والكفر فقط.

السادس عشر: النظرة الوثوقية والجزمية في فهم الدين، وهذا أمر يتعلق بالتكوين العلمي كما يتعلق بالتكوين التربوي، فهو أيضا يؤدي إلى الاستعلاء الفكري، مع أن شيخ السلفية ابن تيمية يقول عن صفة أهل الأهواء – التي تنطبق على السلفيين المعاصرين بشكل خاص ومن شاكلهم من نقادهم من العلمانيين -يقول:”وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء: أن العالم قد فعل ما أُمِرَ به من حسن القصد والاجتهاد، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله، وإن لم يكن مطابقا، لكن اعتقادا ليس بيقيني… فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين، مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة، عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا، بخلاف أصحاب الأهواء، فإنهم “إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس” ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض، مع عدم العلم بجزمه، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده، لا باطنا ولا ظاهرا. ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، فكانوا ظالمين، شبيها بالمغضوب عليهم، أو جاهلين، شبيها بالضالين”.

السابع عشر: النقائية والطُهْرانية في طلب تكوين الجماعة والحزب النقي عقائديا قبل أن يكون نقيا سلوكيا، فلا يقبلون التعاون مع غيرهم من المذاهب ولا الأديان في صناعة العدل والخير في الدولة التي تضم الجميع، بل يفترضون هيمنة فكرهم وتطبيقاته على الناس.

الثامن عشر: النظرة الابتلائية لكثير من أحكام الشريعة بدون فهمها بانتظام معقوليتها خصوصا التعامل المصلحي مع الآخر لربطه بنصوص فقهاء وعلماء، وهذا تشترك فيه داعش مع كثير من السلفية بدون شك، فثقافة الدولة عندهم ثقافة نصوصية لا عقلانية مصلحية فيها، وأكبر دليل على هذا: فتوى دولة داعش بالاستدلال بنص للشوكاني في قطع الرؤوس وحملها على أسنة الرماح إغاظة وتخويفا لأعدائهم!

التاسع عشر: عدم التسامح مع المختلف، ورفض منحه الحرية بل يرون معاقبة المبتدع على بدعته.

أين تختلف السلفية عن داعش؟

تعارض السلفية النجدية داعش في قضايا تحقيق مناطات الأحكام والنظريات، وتحقيق المناط أو تطبيق الحكم على الواقعة والعين يعتبر أمرا اجتهاديا ظنيا باتفاق العلماء المحققين، كما يجب هنا التوضيح لأمر مهم لا يناقشه علماؤنا وفقهاؤنا بل لا يكترثون له، بينما ناقشه الغرب كثيرا، ألا وهو: مسألة التحيّز وعدم الحياد في تطبيق القاعدة او النظرية التي يعتقد أنها حق أو عدل أو خير، وتأثير البيئة الظرفية السياسية والاجتماعية بل والنفسية في تطبيق الأحكام، فتجد الغربيين بحثوا في وسائل وطرق تقليل مستوى الأهواء والتأثيرات لتحقيق وتطبيق العدل بكل شفافية ممكنة، وذلك عن طريق طرح الشفافية والوضوح وإشراك الشعب والمجتمع والناس عامة عن طريق ممثليهم في تحقيق مناطات الخير والمصلحة والعدل، لذا فليس هناك ضمانات في الفكر السلفي بشكل عام تضبط الأفراد بل والدولة من الافتئات في التوسع في تكييف الوقائع وتطبيق الأحكام على الأفراد بدون مراقبة جماعية تضمن ذلك، فضلا عن نقدناالسابق للنظرية قبل أن ننقد التطبيق، خصوصا قضية التوسع في الدماء في ما يتعلق بتعليق استحلال الدم لمجرد الكفر إلا بموانع بسيطة مثل عقد الذمة والأمان.

فتنظيم داعش – حسب الوصف السلفي – خارجي لأنه بالغ في تطبيق أحكام التكفير والردة على المسلمين، وإن كانت المنطلقات التي يستدلون بها والنظريات والأحكام سلفية مائة بالمائة، لم يقوموا بإضافات عليها، إلا أن المشكلة عندهم في “التوسع” في تطبيق النظرية، بعجلة وعدم تثبت وعدم تفاهم وعدم قبول لرأي الآخرين.

وهنا تأتي العديد من الاختلافات في تحقيق المناطات في مثل تكفير الدولة السعودية، وبعض دول الخليج، فتجد كثيرا من السلفيين لا يكفرون الدول الخليجية بينما داعش تكفرهم جميعا، وتكفر كل من يقر بحدود سايكسبيكو، وفي النهاية، لعلي أتيت على أكثر ما يجول في الخاطر وإن كنت لم أستوعب، لكن في ما سبق خير، والله أعلم

—————————————————————————-

[i]الدرر السنية
[ii] المصدر نفسه
منصور الهجلة
منصور الهجلة
باحث في القانون وفلسفة التشريع