الصهيونية واستدعاء الموروث الديني/ التاريخي: رؤية تحليلية

الصهيونية واستدعاء الموروث الديني/ التاريخي: رؤية تحليلية

المقدمة

في تناوله لمفهوم الأيديولوجيا يرى كارل ماركس أنها مجموعة الأفكار والتنظيرات تهدف إلى توجيه الأفراد بشكل آلي نحو أهداف بعينها، قبل أن تتحول إلى صور كاذبة يرسمها الناس عن أنفسهم ويعيشون في ظلها، ثم مضى يربط ذلك بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، فكل معرفة أو وعي - في رأيه - معرفة أيديولوجية صنعها الإنسان، وبما نها منتج بشري فلا يمكن فهمها وتفسيرها إلا بربطها بالظروف التي تواجد فيها هؤلاء البشر. هذه المعرفة البشرية لم تكن في وقت من الأوقات معرفة جامدة وشاملة، بل على العكس من ذلك، تطورت هذه المعرفة في سياق التطور التاريخي، فـ ماركس يربط بين الوعي والظروف المادية التي تساعد في تكوينه وتشكيله، حيث إن الأشخاص الذين يؤلفون النخبة السائدة يملكون فيما يملكون الوعي وبذلك تتشكل أفكارهم بظروف العصر.

وبتحليل ما تتضمنه الأيديولوجيا من طروحات يتضح مدى سطوتها على الواقع بوصفها نسقا يفرض هيمنته على سائر الأنساق المجتمعية الأخرى بشتى أبعادها النفسية والدينية، وما يتضمنه ذلك من علاقة بالواقع، وهي علاقة تحاول من خلالها الأيديولوجيا تقديم رؤية جديدة في قالب من الطوباوية والأمنيات مستحيلة التحقق، لكنها تضعها دوما في نطاق الممكن لتأكيد الإيمان المطلق بها، في محاولة للإحاطة بكل شيء، فالأيديولوجيا تتمدد دوما لتؤطر في داخلها كل الأطر وسائر الأنماط والأنساق الاجتماعية، سعيا لاستيعاب جميع المعطيات وصياغتها بشكل يتواءم مع أهدافها.

ويعني النزوع الأيديولوجي في النظم والحركات الدينية بوجه عام بناء عوالم مذهبية ترتكز على الاستلهام الدائم للموروث الديني، والاستدعاء المستمر للنصوص، وهو ما تحقق بشكل كبير مع ظهور الصهيونية وما واكبها من حراك حاولت فيه توظيف التاريخ وتقديمه كماض مقدس لا يجوز التشيك فيه أو التقليل منه.

ظهرت الصهيونية - نسبة إلى جبل صهيون الذي يقع جنوب غرب القدس - كحركة سياسية تسعى إلى توطين اليهود في فلسطين، ويعود الفضل في التسمية إلى المفكر اليهودي ناثان برنباوم Nathan Birnbaum ( 3 ) ليصف بها اتجاها سياسيا جديدا يسعى إلى وضع النزعات المشيحانية موضع التنفيذ، كمخرج لكل ما يعانيه اليهود في الشتات، لتصبح أرض المعاد تعبيرا عن الخلاص، وصرخة المعذبين الحالمين بوطن.

ونجحت الصهيونية في انتزاع مكانة لها في سياق المراحل الأخيرة من عصر القوميات الأوربي، حيث كانت المسألة اليهودية آنذاك شديدة الوطأة على أوربا شرقاً وغرباً، ففي الشرق كانت الدعوة إلى ترحيل اليهود تلقي صدى حتى لدى اليهود أنفسهم من الداعين للهجرة إلى فلسطين، وفي الغرب استنفرت أوربا للتخلص من الهجرة المتزايدة ليهود الشرق وترحيلهم إلى أي مكان يلائم مصالحهم، وشغل الفكر الأوربي بهذه المسألة طويلاً.

هذا وقد استند الفكر الصهيوني إلى ثلاثة منطلقات أساسية، تمظهرت بالتوازي عبر حراك سياسي طويل تميز بإحالة دائمة على الموروث الديني / الاجتماعي لليهود بكل ما يمثله من زخم، وما يتطلبه من استدعاء دائم للتاريخ والنص معا.

لتحميل الدراسة كاملة

اضغط هنا للتحميل

سامح محمد إسماعيل
سامح محمد إسماعيل
باحث ومحاضر في العلوم السياسية وفلسفة التاريخ