المقاومة الإسلامية للاستعمار الفرنسي في السنغال

الحركة العمرية نموذجاً 1854ــ 1865م
إنَّ دراسة موضوع موقف القوى الإسلامية من الاستعمار الفرنسي في السنغال (1854ــ 1865م)، تبدو بالغة الأهمية نظراً لمجموعة من الاعتبارات التي يمكن إجمالها فيما يلي:
* خصوصية الحضور الفرنسي في هذا البلد، والذي تجلى في كون السنغال كان بمثابة حقل جُربت فيه مختلف أوجه السياسة الاستعمارية، حيث تمكنت القيادة الفرنسية من مراكمة قدر كبير من المعرفة الميدانية، استطاعت توظيفها فيما بعد في بلدان إفريقية أخرى.
* كون سنة 1854م تعتبر منعطفاً تاريخياً خطيراً؛ إذ طبعتها نزعة التوسع العسكري، التي ستفضي ــ في نهاية المطاف ــ إلى فقدان السنغال استقلاله، مكرسة بذلك تحول الحضور الفرنسي في المنطقة من حضور تجاري إلى احتلال عسكري وسياسي.
* إنَّ سياسة الغزو التي دشنها الوالي فيديرب (Faidherbe) ابتداء من سنة 1854م، لم تكن في واقع الأمر من صنع ظرفية النصف الثاني من القرن 19م؛ بل هي نتيجة لإخفاق تجارب سياسية عديدة كانت بمثابة محك للعقلية الاستعمارية.
* كما شكَّل الإسلام ــ وخاصة حركة الحاج عمر الجهادية ــ عقبة حقيقية في وجه الأطماع الفرنسية بالسنغال، وخطراً كبيراً على مستقبل وجودها بالمنطقة ككل. ومما يزكي هذا التخوف من قبل الفرنسيين، الانتصارات المتلاحقة، وسقوط الأقاليم، الواحد بعد الآخر، تحت نفوذ هذه الحركة الفتية، الأمر الذي دفع بالسلطات الفرنسية إلى استعمال كل ما في وسعها لاحتواء الحاج عمر ودولته، بالوسائل السلمية من الوعد والوعيد أولا، ثم باستعمال القوة، وبعد وفاة هذا الأخير، تمكنت فرنسا من الإجهاز على دولة الحاج عمر بنهج سياسة التفرقة بين الأمراء من جهة، واستعمال لغة الحديد والنار لدعم المناهضين لها من جهة ثانية، مما مكنها من فرض استعمارها على السنغال بشكل نهائي مع نهاية القرن19م.
ودراسة الباحث للحقبة الزمنية الممتدة من 1854ــ 1865م، يبررها في نظره الأهمية الخاصة التي تحظى بها هذه الحقبة في تاريخ السنغال الحديث.
فعلى المستوى الدولي: اتسمت هذه الحقبة بتغيرات اجتماعية وسياسية كبرى، تجلت على الخصوص في تركيز النظام الإمبراطوري، الذي أفرز مداً استعمارياً كبيراً غطى بتأثيراته معظم أقطار القارة الإفريقية، بما في ذلك السنغال، الذي استمر خلال هذه الفترة من تاريخه متعلقاً ببنايته الاجتماعية والسياسية التقليدية، والتي كانت قد اهتزت بعمق نتيجة احتكاكها بمعطيات ومؤشرات حضارة هذه الحقبة.
وعلى المستوى المحلي في السنغال، فتعتبر هذه الحقبة منعطفاً تاريخياً مهماً في حياته؛ إذ حتمت عليه الظرفية التاريخية أن يواجه فيها إحدى أكبر القوى الاستعمارية في ذلك القرن، بعد أن عبرت الممالك السنغالية عن رفضها لأي شكل من أشكال السيادة الفرنسية على مجالها الترابي حتى عام 1854م.
أما نهاية الفترة المدروسة 1865م فلها أكثر من دلالة، فأهم حدث على المستوى المحلي هو إخماد نار المقاومة، المتمثلة بوفاة زعيمها الحاج عمر الفوتي، ونهاية فترة حكم الوالي فيديرب، بعد أن أرسى قواعد الوجود الفرنسي ليس فقط في السنغال، بل في معظم أرجاء إفريقيا الغربية .
وأما فيما يتعلق بدواعي اختياري لهذا الموضوع، والذي أرجحه إلى مجموعة من الاعتبارات، يمكن تلخيصها بما يلي:
- إنَّ الاشتغال بتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء يندرج ضمن اهتمامات الباحث بتاريخ هذه القارة، ويدخل أيضاَ ضمن تخصصي من بعد الإجازة.
- تحامل بعض الدارسات الأجنبية على تاريخ السنغال، ومحاولة قلب الحقائق، حيث جاءت بعض استنتاجاتها مجانبة للواقع التاريخي.
- أمام هذه الأحكام القيمية، وجد الباحث نفسه - وبدافع علمي- يبحث في متون الكتب عن حقيقة وواقع الأمر، ليس فقط فيما يخص وجود الإسلام بالسنغال، بل كل ما يتعلق بموقف الإسلام تجاه الوافد الجديد. وإظهار تجليات العلاقة بين الممالك السنغالية وفرنسا.
- خصوصية الحضور الفرنسي في السنغال، فكانت السنغال أولى المستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا.
- الرغبة في سد فجوة من فجوات تاريخ إفريقيا الحديث، ولملمة حلقاته المفقودة.
بناء على ما تقدم، يسعى الباحث في هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على هذه الحقبة من تاريخ السنغال، بغرض إثراء وإخصاب الدرس العربي المتعلق بإفريقيا جنوب الصحراء والعمل على إغناء المكتبة العربية في هذا الشأن.
أما إشكالية الدراسة أو سؤال الأسئلة الذي يطرحه موضوع هذه الدراسة فهو: كيف تمكنت فرنسا من فرض سيطرتها على السنغال؟ وهل شكل هذا الاحتلال خطراً حقيقياً على الإسلام، وبالتالي ما موقف السلطة الإسلامية منه؟
ومقاربة الباحث لهذه الإشكالية، تستدعي معالجة القضايا التالية:.
- تتبع بدايات الحضور الأوروبي في المنطقة.
- معرفة تجليات السياسة التوسعية الفرنسية في السنغال خلال القرن التاسع عشر.
- الوقوف عند شخصية فيديرب باعتباره واضع أسس السياسة الاستعمارية في السنغال، ومعرفة مشروعه الاستعماري، الذي سيفضي في نهاية المطاف إلى تكوين مستعمرة السنغال.
أما عن المناهج التي تم التسلح بها في دراسة البحث؛ فقد تم التعويل على المنهج الاستقرائي؛ فاتجه الباحث إلى القراءات المكثفة لكم لا بأس به من المصادر، والمراجع، ومن ثم في مرحلة لاحقة تمّ استنباط وتفكيك النصوص المصدرية التي تمّ بناء الشكل العام للدراسة عليها. وكذلك عول الباحث على المنهج المقارن، وذلك بعدم الاكتفاء بالتاريخ الوصفي السردي، الأمر الذي استلزم وجود عدة قضايا مشتركة، ومختلفة بين الأطراف المقارن بينها، من خلال السؤال والإجابة، ووصف التغيرات والأحداث ليتم بعد ذلك استخلاص النتائج العامة.
وأخيراً تمّ الجمع بين تلك المناهج ضمن خلاصة علمية تهمُ الموضوع بشكل خاص، حيث تمت إعادة تركيب المعلومات بطريقة منهجية؛ عالجت أسباب الظاهرة، ودوافعها، والآثار الناجمة عنها، ورغم ذلك فإنّ الباحث لا يدعي القدرة على الانفتاح على تلك الطفرة المنهجية الواسعة في مجال دراسة العلوم الإنسانية، ومحاولة توظيفها في إنجاز الدراسة، وربما كان ذلك بسبب الموضوع.
وأخيراً نرجو من الله تعالى أن يكون هذا العمل المتواضع بمثابة لبنة جديدة في حقل التاريخ الإفريقي، وإسهامًا متواضعًا في إعادة كتابة تاريخ السنغال. ولا يفوتني أن أعتذر عن أي نقص أو خطأ ، رغم محاولة الباحث الاجتهاد، والإلمام بكافة عناصره، فإنْ أصبنا فمن الله وحده، وإنْ أخطأنا فمن أنفسنا.
لتحميل الدراسة كاملة
-
2023-01-08 مؤتمر الترجمة وإشكالات المثاقفة (9)
-
2022-02-28 يوميات جوردون في الخرطوم
-
2022-01-18 عن المثقف الإسلامي والأمراض العربية
-
2022-01-18 تهافت الفلاسفة