السعي بحثًا عن الطاقة والأمن: عرض لكتاب

السعي بحثًا عن الطاقة والأمن: عرض لكتاب
عنوان الكتاب: السعي: بحثًا عن الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث
تأليف: دانييل يرغن
سنة النشر: 2015
عدد الصفحات: 1120
سعر الكتاب: 25 دولار
الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية

صدر عن منتدى العلاقات العربية والدولية كتاب السعي: بحثًا عن الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث لدانييل يرغن، ترجمة شكري مجاهد، وهيثم نشواتي. حصل المؤلف على جائزة البوليتزر عن كتابه الجائزة/ الغنيمة والذي يستعرض فيه تاريخ البحث عن النفط، حيث جاء عنوان الكتاب من مصطلح الغنيمة الذي ورد في مذكرة قدمت للرئيس الأمريكي ترومان تصف بلدًا عربيًّا بأنه : "أضخم غنيمة مادية في تاريخ البشرية".

نحتاج إلى أن نعرف عن الطاقة/الغنيمة أكثر في الخليج العربي والجزيرة العربية، خصوصًا النفط، لما يمس هذا العنصر من حياة منطقة الخليج العربي وسياساتها ومجتمعاتها (التي تتربع على 60 % من احتياطي النفط التقليدي العالمي)، فوضع الطاقة الفريد في نوعه للخليج العربي هو نتاج تاريخي جيولوجي غريب، جعله الحوض الهيدروكربوني الأغنى والأوفر إنتاجًا على الكوكب، وعلى مدى مئات ملايين السنين.

أقسام الكتاب

تبدأ المقدمة باستعراض حدثين وقعا في الوقت ذاته، لكن في مكانين متباعدين جدًّا، وكلاهما سبَّبَ صدمة هزّت العالم. الأول هو حادثة مجمع فوكوشيما داييتشي النووي في اليابان، بسبب الزلزال الذي وقع وتبعه موجات تسونامي التي أدت إلى حدوث تسرب إشعاعي في المجمع، حيث تعرضت محطات الكهرباء إلى التوقف، وأدى ذلك إلى التأثير على تدفق خطوط التوريد العالمية، وتعثر إنتاج السيارات والإلكترونيات. على الجانب الآخر كانت هناك ثورة تونس، ثم انهيار الحكم في مصر، وبداية الاحتجاجات في ليبيا؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، بسبب توقّف إمدادات النفط المتمثلة بالصادرات الليبية. مجموعة الأحداث هذه جعلها الكاتب في المقدمة كتنبيه مهم على أهمية الطاقة بالنسبة لعالمنا المعاصر؛ فشهية العالم للطاقة في السنوات المقبلة سوف تنمو نموًّا هائلاً، وهذا يدفعنا إلى ثلاثة أسئلة تؤطر هذه القصة:

الأول: هل سيكون متاحًا ما يكفي من الطاقة لتلبية احتياجات عالم متنام، وبأي ثمن، وبأي تكنولوجيات؟

الثاني: كيف يمكن حماية أمن نظام الطاقة التي يعتمد العالم عليها؟

الثالث: ما أثر ذلك على المخاوف البيئية، بما فيها تغير المناخ؟

نحن في عصر الوقود الأحفوري، فقد ثبت في نهاية المطاف أن موارد الأرض بعيدة عن الفكرة الكئيبة الخاصة بانتهاء النفط سريعًا. يوفر النفط والفحم والغاز الطبيعي أكثر من 80 % من الاستهلاك العالمي للطاقة، لكن هل ستكون موارد النفط كافية للانتقال من عالم فيه مليار سيارة تقريبًا إلى عالم سيكون فيه أكثر من ملياري سيارة؟ هذا هو تحدي تلبية حاجات السوق العالمية. إنه ما يمكن تسميته عولمة الطلب على الطاقة. هناك هاجس يخص أمن الطاقة يرتبط بالاختراق الإلكتروني، أو ضعف الضبط المحوسب. ويوجد قلق عالمي من قضية المناخ العالمي منذ مؤتمر الأرض عام 1970، وهذا هو أحد الدوافع لسؤال الطاقة البديلة في العالم الأقل تلوثًا.

يقسم المؤلف الكتاب إلى عدة أقسام، ففي القسم الأول من الكتاب يهتم بالجغرافيا السياسية للنفط، ودراما الكفاح من أجل الوصول إليه والمعركة التي ستنشب للتحكم فيه، فالصين التي بالكاد كان يحسب لها حساب قبل عقدين من الزمان في معادلة الطاقة العالمية، ستكون ذات أهمية مركزية في العالم الجديد، وهذا الأمر ليس لأنها ورشة تصنيع للعالم فقط، بل بحركة البناء الضخمة في الصين التي تستوعب هجرات أبناء الريف إلى المدينة. القسم الثاني يركز على قضية الأمن، وسؤال: هل سيغدو العالم بلا نفط؟ ومن أين ستأتي الإمدادات بالغاز الطبيعي والغاز المسال؟ وتناول أنواع الطاقة الأخرى ابتداء من الطاقة النووية وصولاً إلى طاقة الرياح.  القسم الثالث يركز على عصر الكهرباء، مع تزايد الحاجة إلى ما يُسمّى كهرباء الأجهزة (الكمبيوتر- الهاتف والألواح الرقمية الذكية- أجهزة المنزل) وقريبًا السيارات الكهربائية. القسم الرابع يحكي كيف أضحت قضية التغير المناخي التي لم تكن معروفة على الإطلاق أو موضع اهتمام عدد قليل من العلماء، إحدى المسائل المهيمنة على المستقبل. وتشمل تأثيرات على القادة السياسيين وكبار المديرين والمستثمرين. ويصف القسم الخامس من كتاب السعي الطاقات الجديدة بأنواعها، وهذا الموضوع يركز فيه على وسائل النقل (السيارات) وإيجاد البدائل.

الخوف من النفاد

كتب سادي كارنو، ابن أحد وزراء حرب نابليون وهو نفسه جندي وعالم، كان  مقتنعًا بأن أحد أسباب انتصار بريطانيا في حروب نابليون في بداية القرن التاسع عشر هيمنتها على الطاقة، لا سيما المحرك البخاري. ولدت صناعة النفط الحديثة عام 1859 عندما عثر الكولونيل إدوين دريك على نفط قرب بلدة تيتوسفايل في الشمال الغربي لبنسلفانيا. وظهرت أيضًا مراكز إنتاج أخرى في أواخر القرن التاسع عشر – في الإمبراطورية الروسية، حول باكو، على بحر قزوين وفي القوقاز، وفي جزر الهند الشرقية الهولندية وفي غاليسيا في الإمبراطورية النمساوية - الهنغارية. غير أن بنسلفانيا كانت في ذلك الوقت تُزوّد أوربا وآسيا، بالإضافة إلى أميركا الشمالية. وكانت السوق الرئيسة للنفط في الأربعين عامًا الأولى هي سوق الإضاءة، لتأمين الإنارة واستبدال زيت الحوت والسوائل الأخرى المستخدمة في مصابيح الزيت. سريعًا أصبح البترول تجارة عالمية، وأصبح جون دي روكفلر أغنى رجل في العالم لا بسبب النقل بل بسبب الإضاءة. وحتى ذلك الحين كان النفط المتدفق من باطن الأرض لغزًا غامضًا. وربما كانت آبار النفط تطلق النفط عاليًا إلى السماء ومن ثم تجف لأسباب لم يعلمها أحد. وبدأ الناس يخشون من نفاد النفط. استمر الطلب على النفط بظهور وسائل النقل (السيارات)، واستمر ظهور النفط في واجهة وخلفية كثير من الأحداث التاريخية المهمة.

ففي الحرب العالمية الأولى حدث عجز في النفط في الولايات المتحدة، وشهد عام 1918 أعلى أسعار البنزين في ظل التضخم، ولسد ذلك العجز فقط أطلق نداء وطني "لأيام الآحاد الخالية من البنزين"، التي يمتنع فيها الناس عن القيادة. وحدثت تخمة من الإنتاج النفطي العالمي بين الحرب العالمية الأولى والثانية في فترة الكساد الكبير بسبب زيادة المعروض؛ مما أدى إلى تراجع أسعار النفط، لكن سرعان ما تحولت هذه الزيادة إلى احتياطي استراتيجي في الحرب العالمية الثانية. وكان النفط حاضرًا في الصراع العالمي؛ فخوف اليابان جعلها تصف بوارجها بدون نفط أنها مجرد فزاعات، وهتلر يبحث عن نفط باكو، والغواصات الألمانية حاولت قطع خط النفط من أميركا الشمالية إلى أوربا، وعدم كفاية الإمدادات من النفط أوقفت حملة روميل في شمال أفريقيا (كتب لزوجته: نقص البترول كاف لجعل الفرد يبكي). وانتهت الحرب العالمية الثانية، مثل الحرب العالمية الأولى، بإدراك عميق للأهمية الاستراتيجية للنفط، وخوف على نطاق عالمي واسع من نفاد البترول. تجدد حضور النفط في أكتوبر عام 1973 بقيام حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل لرد الأجزاء المحتلة من مصر في سيناء، وأوقفت الدول العربية شحنات النفط، وزادت أسعار البترول أربعة أضعاف، وكانت أزمة النفط عام 1973 دليلاً على أن عصر الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة من النفط قد انتهى. ولم يكن هذا الحظر هو الحظر الأول للدول العربية، ففي عام 1967 بعد احتلال إسرائيل سيناء، قامت الدول العربية بحظر تصدير النفط، لكنه فشل بسبب ما كان في ذلك الوقت من فائض كبير في سوق البترول العالمية، وتضاعفت مرة أخرى أسعار البترول بين 1978 و 1981 عند قيام الثورة في إيران. استمر النفط في حضوره السياسي والاقتصادي مع الأحداث العالمية الكبرى، دراما ستصل ذروتها مع حرب الخليج  و11 سبتمبر والحرب على العراق، وحتى مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، حيث وُجدت من بين المواد التي ضبطت في الغارة خطط لمهاجمة ناقلات نفط. وهكذا كان تسخير الطاقة هو ما يجعل عالمنا اليوم كما نعرفه.

دراما النفط

أسست حرب الخليج لعهد جديد من عهود إمدادات النفط العالمية، كسرت الحرب المزاج العالمي الهادئ الذي يوحي بالسلم، فلقد سبق الحرب سقوط جدار برلين بثمانية أشهر. ويعكس اجتماع الرئيس بوش الأب مع مستشاريه في البيت الأبيض بعد الغزو مباشرة وجهتي نظر بين من كان يعتبر هذه الأزمة أزمة عصرنا، وبين من يراها أزمة اليوم فقط؛ مما دفع أحد المستشارين معترفًا بما أنه أمر واقع: "علينا أن نعتاد على عالم لا كويت فيه". فرفع بوش يده وقال: "ليس بهذه السرعة".

قامت القوات العراقية بتسريب أكثر من ستة ملايين برميل نفط إلى الخليج العربي، وهي أكبر كمية نفط منسكب في التاريخ؛ وذلك لإحباط هجوم بحري متوهم من الخليج، وأضرمت النار في ثمانمائة بئر نفط تقريبًا، وكان ما يقدر بستة ملايين برميل نفط تحترق يوميًّا في الكويت متحولة إلى ألسنة من اللهب، وهذه الكمية أكثر بكثير من واردات اليابان اليومية من النفط. نتج عن حرب الخليج ما يُسمّى بالنظام العالم الجديد أو العالم الأحادي القطب، الذي يتحالف فيه الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة لصد عدوان صدام حسين كما صرح غورباتشوف، وهو ما لم يكن متصورًا في فترة الحرب الباردة. عاد النفط إلى الواجهة في عام 1995 بإنشاء الأمم المتحدة برنامج النفط مقابل الغذاء، والذي ساهم في بيع كميات محدودة من نفط العراق مقابل السلع الأساسية من الغذاء والدواء، لكن الفساد الذي طال هذا البرنامج، والخوف من توقف صدام عن التعاون، أحدث حالة من الشك المتصلة بهذا الموضوع.

عصر العولمة والطاقة

في عالم ما بعد الحرب الباردة تعد الخصخصة ورفع القيود من أبرز سمات هذا التحول في عصر العولمة، عصر تكون فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم سياسيًّا، وينشأ فيه قوة لليورو ومنطقة حرة للتجارة في الاتحاد الأوربي، يتوازى ذلك مع تسهيل اتفاقات التبادل التجاري حول العالم، ونمو سريع لتكنولوجيا المعلومات، وطفرة في وسائل التواصل، وتكرار مصطلح القرية العالمية كحقيقة واقعة. وسعت التكنولوجيا آفاق النفط العالمي، بالتقنيات الجديدة والتي دعمت النمو الاقتصادي، ووسعت مدى التنقلات حول العالم، وأصبحت مليارات براميل النفط التي لم يكن الوصول إليها أو إنتاجها متاحًا قبل عقد من الزمان في متناول اليد. مع عدم إغفال دور الدول التي ورثت تركة الاتحاد السوفيتي (منطقة بحر قزوين)، حيث أدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى توسيع نطاق إمدادات النفط العالمية. ولهذه الملاحظة أهمية خاصة لروسيا، والتي أضحت تنافس السعودية في قدرتها على إنتاج النفط.

عودة روسيا

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1991، طلب غورباتشوف من أحد مساعديه أن يرسل رسالة من ثلاث كلمات إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جون ميجور، الذي كان رئيسًا لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبيرة يقول فيها: "عزيزي جون، أرجو المساعدة!" وبعد ذلك بشهر واحد فقط، أطل غورباتشوف عبر شاشات التلفزة ليعلن انحلال الاتحاد السوفيتي.

تلخص هذه العبارة الوضع الاقتصادي في روسيا قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي، فبعد الاعتماد على نفط غرب سيبريا والاعتماد على زيادة الإنتاج، انهارت أسعار النفط وانهار معها دعامة مهمة من دعامات الاقتصاد السوفيتي. تطورت الأحداث من أزمة إلى أزمة حادة ثم كارثة، ونفدت في إحدى المراحل في سانت بطرسبرغ منتجات حليب الأطفال.

 حاولت روسيا النهوض من كبوتها الاقتصادية في ظرف ثلاث سنوات تحت حكم يلتسن، وكان لشركات خصخصة قطاع النفط دور كبير. تطورت هذه الشركات وصعد نجم بوتين الذي كتب مقالاً عام 1999 حاجج فيه أن موارد روسيا من النفط والغاز هي مفتاح النهوض، لكن بوتين الذي سيصبح مكلفًا للقيام بمهام رئيس الجمهورية خلفًا ليلتسن، سيجمع أمراء المال الجدد وأصحاب الشركات في يوليو 2000، للتأكيد على عدم تجاوز الحد في التمتع بنفوذ سياسي باستخدام المال لتغيير المرشحين السياسيين في روسيا، محاولاً تحييد قوة الرأسمال في اللعبة السياسية. صعود إنتاج روسيا يطرح تساؤلاً عن قدرتها على الحفاظ على مستوى إنتاجها، أم إن المستقبل القريب سوف يشهد انخفاضًا شديدًا في الإنتاج؟

السباق إلى بحر قزوين

عندما بدأ هتلر غزوه للاتحاد السوفيتي في يونيو من عام 1941، كانت أذربيجان أحد أهم أهدافه الاستراتيجية، وقال لأحد جنرالاته: "إن لم نحصل على نفط باكو سنخسر الحرب". يتتبع الكتاب السباق نحو نفط بحر قزوين وقصة النفط في جمهوريات الاتحاد السوفيتي (أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان)، خصوصًا لعبة إقامة شبكة الأنابيب، والصراع على الطرق والمسالك التي يتعين نقل النفط والغاز الطبيعي عبرها من البلاد الحبيسة المنتجة التي لا منافذ لها على البحار إلى السوق العالمي. ولا شك أن روسيا لعبت دورًا في هذا الأمر مع دول مثل إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ولاحقًا الصين. ينتقل بعد ذلك الكاتب ليتحدث عن أسواق النفط في كازاخستان وتركمانستان، ثم ينتقل إلى أسواق آسيا وتأثير الأزمة المالية التي تعرضت لها بلدان شرق آسيا، وهو يرسم خيوط دراما النفط في العالم.

تحالف الشركات الكبرى

قاد لي ريموند الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موضوع اندماج إكسون وموبيل، والتي حدثت بعد اندماج شركة بريتش بتروليوم مع أموكو، وتوقفت المفاوضات قبل ذلك بينهم بسبب خلافات في طريقة اندماج الشركتين، لكن اندماج كل من بريتش بتروليوم مع أموكو جعل ريموند مدير إكسون يعبر عن الموضوع بقوله: "لقد باع جارك منزله لتوه، وبتنا الآن نتوفر على معيار آخر لتقويم أسعار المنازل". وكان تحدي وجود حقل غاز قطر البحري تحديًا خاصًّا للشركات العاملة في قطاع الطاقة، بسبب الحجم الهائل للحقل، ولذلك كانت فاتورة الاستثمار  رهيبة، ولذلك بحثت موبيل عن شريك معها في هذا السوق. هذه الصفقة وصفتها نيويورك تايمز في عنوانها البارز على صفحتها الرئيسية بقولها: "شركة النفط الجديدة القوية الضخمة". بالطبع كانت أحد هموم اندماج شركات النفط الكبرى خوفها من هيئة التجارة الاتحادية في الولايات المتحدة والتي تكافح الاحتكار، والخوف من شبح تجربة تفكيك شركات جون دي. روكفلر ماثلاً في أذهان هذه الشركات الجديدة، لكن شركة روكفلر ستانرد أويل ترست كانت تملك 90 % من سوق الولايات المتحدة النفطية عام 1911، بينما إكسون وموبيل سيمتلكان أقل من 15 % من السوق فقط، لكن الشك المتأصل لدى هيئة الاحتكار يجعلها حريصة على عدم تغليب أحد الشركات الكبرى على أسعار النفط في الولايات المتحدة، ولو كان المقدار نصف سنت تقريبًا للجالون الواحد على مدى عدة سنوات. وفي الكتاب تتبع لظروف الاندماج وصعود نجم هذه الشركات في الاقتصاد العالمي.

الدول البترولية والمرض الهولندي

يبدأ الحديث عن الدول البترولية بالدولة الخليجية التي لا تقع على الخليج العربي: فنزويلا، كونها تنتج فعليًّا أكثر من الكويت أو الإمارات. وفنزويلا تذكر باعتبارها إحدى الدول البترولية التي أثر عليها مجال النفط في المجالين السياسي والاجتماعي تأثيرات مرضية جراء الاعتماد على النفط، وتشوه اقتصادي في فرص التنمية الاقتصادية. شجب خوان بابلو وزير النفط وأحد مؤسسي أوبك في سنين تقاعده النفط بأنه رجس من عمل الشيطان، وتحدث البعض عن لعنة الموارد؛ لأن الصراع والخلاف تحول حول توزيع الثروة بدلاً من إيجاد مورد ثروة مستدامة تعتمد على المبادرات التجارية والإنتاجية، أو ما يطلق عليه المرض الهولندي؛ بسبب المشكلة التي اعترت الاقتصاد الهولندي في ستينيات القرن العشرين وأدت إلى انكماشه.

هذا الوضع والمرض ظهر أيضًا في نيجيريا، التي تمثل ثامن أكبر مصدر للنفط بين أعضاء منظمة الأوبك، وكان من نتائج الاعتماد على النفط انهيار قطاع التصدير الزراعي الذي كان ذات يوم نابضًا بالحياة. وبالطبع ساهم الصراع العرقي والخلاف بين الحكومة المركزية وبين حكومات الولايات والاستبداد والانقلابات في تراجع دور النفط وإضعاف الدولة في نيجيريا. هناك بالطبع أسباب طبيعية مثل الأعاصير والكوارث الطبيعية في صناعة النفط، وفي نقص الإمدادات، وفي ارتفاع سعر البترول وانخفاضه.

الحرب على العراق والنفط

في الحرب على العراق كان النفط من العوامل المهمة التي جرى النقاش بشأنها، خصوصًا النفط في عراق ما بعد الحرب. وعلى الرغم من التوقعات المغرقة في التفاؤل حيال مدى سرعة القدرة على استعادة الإنتاج وإعادة الصادرات، بل تعمير العراق من عوائد النفط؛ فإن الظروف الواقعية للصناعة النفطية أكدت أنها ليست في وضع يمكنها من محاكاة الآمال العريضة المعقودة عليها، إذ كانت صناعة النفط في العراق تعاني من سنوات من الإهمال والافتقار إلى الاستثمارات، وتعرضت غالبية المباني الحكومية في بغداد للسرقة والإحراق باستثناء واضح لوزارة النفط، التي جرى تأمينها من قبل وحدات من جنود الفرقة الثالثة من مشاة جيش الولايات المتحدة؛ مما يعكس اهتمام الولايات المتحدة بهذا القطاع. وفي الكتاب استعراض لتجربة أمريكا مع صناعة النفط في العراق، والظروف التي حدثت لاستعادة تشغيل هذا القطاع بكامل قوته الإنتاجية.

الصين تنين النفط

يتتبع المؤلف تجربة الصين بعد الانفتاح منذ زيارة كيسنجر لبيجين، وعلاقة ذلك بالصناعة النفطية. فاليوم تعتبر الصين العنصر الوحيد الأكثر ديناميكية الذي يتغير بسرعة في سوق النفط العالمية. ومع ذلك فإن النمو السريع لاستهلاك الصين من الطاقة وواردات النفط المرتفعة تجلب الشك لكل من الصين والمستوردين الكبار الآخرين. لذلك، احتمالات نشوب صراع تستحوذ على جل الانتباه. ومع ذلك هناك أيضًا مصالح مشتركة بين الصين ومستهلكي النفط الآخرين، خاصة الولايات المتحدة. وهاتان الدولتان مرتبطتان إحداهما بالأخرى – أكثر ترابطًا بكثير مما قد يعتقد كثيرون – في الشبكات العالمية للتجارة والتمويل اللذين يدعمان النمو الاقتصادي. وبتحديد أكبر، لهما مصالح مشتركة بوصفهما أكبر دولتين مستهلكتين للبترول. فالولايات المتحدة والصين كل منهما يستورد حوالي نصف احتياجاته النفطية. وفي حالة الصين، من المرجح أن تزيد هذه الحصة. وبالإجمال، يقدر استهلاكهما معًا بـ 35% من استهلاك البترول العالمي. وكلاهما يستفيدان من الأسواق المستقرة، والانفتاح على التجارة والاستثمار، وأمن الطاقة.

رمال متحركة في الخليج العربي

ما هو الآن جزء كبير من شبه الجزيرة العربية وحوض الخليج العربي قد غمر تحت بحر ضحل واسع. والتوسع المتكرر وتقلص هذا البحر خلق ظروفًا ممتازة لإيداع المادة العضوية في طبقات متتابعة متعاقبة من الرواسب. وخلال الأوقات التي تراجع فيها البحر، لم تكن الأرض صحراء وإنما غابة دافئة ورطبة. ودرجات الحرارة الأكثر سخونة مما هي عليها اليوم قد شجعت النمو الوافر، الذي أضيف إلى الرواسب العضوية. والضغط والحرارة حولا هذه المادة العضوية إلى هيدروكربونات – نفط وغاز. والتحولات في قشرة الأرض وتصادم الصفائح التكتونية، على نطاق زمني جيولوجي، خلق هياكل ضخمة لحبس هذه الودائع الهيدروكربونية. وقد كان مقدرًا في هذه الهياكل أن يعثر نتيجة للحفر في القرن الحادي والعشرين على تراكمات غير عادية من النفط والغاز، التي أمست بطاقة تعريف للخليج العربي الحديث.

وكان النفط قد بدأ استخراجه بالأساس في إيران عام 1908، ومن ثم في العراق عام 1927. وفيما بعد في البحرين عام 1923. وإلى هنا، كان البعض يشكك في ما قد يوجد في السعودية.  وفي عام 1926 قررت الإدارة العليا في واحدة من شركات النفط أن السعودية كانت "خِلوًا من كل التوقعات". وعثرت شركة الخليج للنفط على البترول في الكويت، في بئر تدعى برجان في شباط عام 1938. وهكذا مع مزيد من الاستكشافات اتضح تحول في مركز ثقل الإنتاج العالمي من منطقة الخليج الكاريبي إلى الشرق الأوسط (الخليج العربي)، العقود التي تلت أثبتت هذه التوقعات على نطاق واسع. فعلى الجانب الغربي من الخليج، تربعت على رأس قائمة جميع الدول المصدرة الأخرى، المملكة العربية السعودية بحوالي خمس احتياطيات النفط المؤكدة في العالم. وبلغ متوسط إنتاجها 8.2 مليون برميل في اليوم في عام 2010 - تقريبًا 10% من إجمالي الإنتاج العالمي. ولديها القدرة على إنتاج  12.5  مليون برميل يوميًّا. كما أن لديها ميزة كبيرة، إذ إن تكاليف الإنتاج فيها هي الأدنى في العالم. وعلى الرغم من أنه في السنوات الأخيرة قد ارتفعت تكاليف الاستكشاف والإنتاج، فإنها ما تزال أقل من تلك المسجلة في معظم المناطق في العالم. وتعتبر أرامكو السعودية أكبر شركة للنفط في العالم بلا منازع.

اكتشفت شركة شل حقل الشمال عام 1971 في مياه  قطر. لم يعرف أحد في البداية مدى ضخامته، واستغرق الأمر في الواقع عقودًا للتعرف على كامل أبعاده. اليوم، تقدر احتياطياته بـ 900 تريليون قدم مكعب، وهذا يجعل قطر ثالث أكبر مالك لموارد الغاز الطبيعي التقليدي في العالم. يسبقها فقط روسيا وإيران. وحقل بارس الجنوبي في الأخيرة (إيران) هو من جنس تركيبة حقل الشمال القطري ذاتها. هناك تحت تلك المياه من الخليج العربي، كان حقل الشمال في قطر واحدًا من أصول الطاقة الرئيسة في العالم، لكنه ينتهي فجأة. على مدى قرابة أربعين ميلاً قبالة هذا الساحل الهادئ ثمة خط فاصل وهمي، غير مرئي إلا على الخرائط، وعلى الجانب الآخر منه تقع إيران، وعلى وجه التحديد، حقل غاز إيران الجنوبي البحري. من الناحية السياسية هما حقلان منفصلان. ومن الناحية الجيولوجية، هما واحد والشيء نفسه. ولكن على الرغم من ذلك، يشكل حقل القبة الشمالية بحد ذاته أكبر حقل غاز طبيعي تقليدي في العالم. وخط الوسط بين البلدين كان محل تفاوض قبل اكتشاف حقل الغاز، ولم تكن إيران سعيدة مطلقًا لأنها لا تملك حصة أكبر، وفي هذا المكان تم تشييد سلسلة ضخمة من منشآت تحويل الغاز الطبيعي إلى سائل بدرجات باردة، وهكذا تحولت في العقد الأخير من القرن العشرين صناعة الغاز الطبيعي المحمول حول العالم على متن ناقلات من صناعة محلية يتاجر به إقليميًّا إلى صناعة عالمية لها سوق ضخم، وأصبح سلعة أساسية عالمية تشغل قطر أحد أعمدتها في العالم.

أسئلة الطاقة والأمن

كتب هيمن ريكوفير: "إن كل سائق قاطرة يستخدم طاقة تعادل طاقة 100 ألف إنسان، وكل قائد طائرة يستخدم طاقة تعادل 700 ألف رجل". واليوم يمكن أن يكون هذا الكم أكبر كثيرًا؛ فالزيادة على الطلب تزداد يوميًّا، والنقاشات التي تخص الطاقة تمتد من أسئلة حجم المواد النفطية التقليدية، وما البدائل؟ وإشكاليات البدائل مثل الكهرباء أو أمان الطاقة النووية، إلى أمن الطاقة بشكل عام. وتمتد النقاشات الاقتصادية عن احتكار الشركات الكبرى إلى المشاركة في التأثير على القرار السياسي، ثم النقاشات في قضايا التغير المناخي التي لم تعد قضية أكاديمية أو ترفًا فكريًّا للتندر عليه، بل نقاشًا مهمًّا له تبعاته، واتفاقات بشأن حجم الانبعاثات والتلوث. وإذا انتقلنا من نقاشات الأفكار إلى عالم الأشخاص فسوف يتضح لنا ارتباط الطاقة بعناصر مهمة من رجال أعمال، مديرين تنفيذيين، ساسة وقادة مهمين، ملوك وأمراء، عسكريين نافذين، تجار محليين وأصحاب مصالح، رجالات الطاقة، مثل رجل الأعمال الروسي فاغت علي كبيروف ودوره في صناعة النفط الروسية، وحيدر علييف وصناعة النفط في أذربيجان، وبوتين وعودة روسيا إلى السوق العالمي، وهوغو شافيز في فنزويلا والمرض الهولندي، جورج بوش وصدام حسين وحرب العراق، روكفلر ومعه بعض رجال الشركات العالمية مثل جون براون الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم، ولوسيوتو الرئيس التنفيذي لشركة موبيل، وغيرهم الكثير من الأشخاص الذين يتحدث عنهم مؤلف الكتاب لما لهم من دور في هذه الصناعة.

 الكتاب ضخم يتعدى ألف صفحة. وهو مهم لأن الهدف من نشر هذه الكتب، كما يوضح الدكتور محمد الأحمري في مقدمته، توطين المعرفة بالنفط في ثقافتنا، إذ تأثرت مجتمعاتنا كلها تقريبًا بالنفط وجودًا أو عدمًا، وما زالت المنطقة تعيش صراعًا قاسيًا أو آثارًا لهذا الصراع. لذلك عقد المنتدى مؤتمرًا بعنوان "ذروة النفط"، ونشرت أوراق المؤتمر في كتاب يضم الأبحاث المقدمة له بالمشاركة مع معهد الطاقة في مؤسسة قطر. كما نشر المنتدى ترجمة كتاب نقمة النفط لمايكل روس، ولكن المنتدى عدّل العنوان الأصلي ("اللعنة")؛ لأن هذا اللفظ كما يقول الدكتور محمد الأحمري في مقدمته لفظ قاس في لغتنا، خلاف بعض اللغات الأخرى التي تستسهله، ولأن النفط – في الحقيقة - نعمة عظمى لا تنكر في عالمنا، ويدركها من عرف المجتمعات التي عانت بؤس الحياة قبل استخراج النفط. وقد تحدث الكاتب عن بعض الآثار السلبية لهذا المورد العظيم على مجتمعات عديدة حول العالم وليس العالم العربي وحده، كغياب الديمقراطية مثلاً، علمًا أن الكتاب أُلف وترجم قبل قضاء النفط على ديمقراطية بعض الدول العربية.

المؤكد أن سياسة الطاقة تتشكل في معظم الأحيان بسياسات لا تعد الطاقة محورها، وحلول الطاقة في القرن الحادي والعشرين ستوجد في عقول الناس حول العالم، فالنفط يوجد في عقول الرجال كما قال أحد علماء الجيولوجيا. وإذا كانت هناك عولمة الطلب على الطاقة، فهناك عولمة للابتكار ولإيجاد البدائل من العالم أجمع لهذه القضية. إنه رحلة السعي الذي لم يتوقف منذ النار إلى العودة إلى الطاقة الشمسية النظيفة، سعي نرجو أن تؤدي فيه أمتنا دورًا يحافظ على مصالحها ولا تكون جزءًا من سياسات الطاقة دون فعل خلاق ويحوله إلى نقمة.