قراءة في كتاب "وظلم ذوي القربى: الطريق إلى اليونسكو"

المؤلف: د. حمد بن عبد العزيز الكواري
الناشر: دار جامعة حمد بن خليفة للنشر
تاريخ النشر: 2019
عدد الصفحات: 287 قطع متوسط
يأسرك هذا الكتاب المهم منذ السطور الأولى، بل من العنوان المعبر على غلافه، ويتخلل بشفافية دامية إلى تلابيب الفكر والقلب على أجنحة المودة وعتاب الأخ المشفق لأخيه الجائر في حكمه وجواره. وعلى الرغم من عدم متابعتي الشأن السياسي، فإنني لم أتمكن من الهرب من هيبة هذا الخطاب الوجداني والعقلاني الواضح والصادق في الآن ذاته، الذي ضمنه الأستاذ الكواري في كتابه وأبانه في سطره، فكيف انتهى بنا الحال إلى هذا التردي؟ ألسنا أبناء أمة واحدة؟ ألا يجمع بيننا النسب والأرض والتاريخ والدين.. إلخ؟ أيشفق علي الغريب البعيد ويطعن صدري ذو الرحم القريب؟ ماذا سنقول لجيل الأبناء؟ وماذا سيكتب التاريخ عنا؟ وأي انطباع مهين ستأخذه عنا بقية الأمم والمجتمعات الإنسانية؟
يتكون الكتاب من تسعة فصول ومقدمة وخاتمة. جاء الفصل الأول تحت عنوان "بلسم الجراح"، حيث يبدأ الكتاب من الحدث الأخير- بطريقة السينما "فلاش باك"- وهو العودة إلى الدوحة بعد الجولة النهائية لانتخابات اليونسكو، وتكريم القيادة السياسية للكاتب، والاحتضان الشعبي، وتحول عملية المنافسة على رئاسة منظمة اليونسكو إلى هم وطني في دولة قطر، خاصة بعد أن جاءت خسارة العرب لإدارة المنظمة بفارق صوت واحد لمصلحة المرشحة الفرنسية؛ بسبب امتناع أربع دول عربية عن التصويت لمصلحة المرشح القطري على خلفية الخلافات السياسية بين الدول الشقيقة، ووجد الكاتب العزاء في هذا التكريم وهذا الاحتضان.
أما الفصل الثَّاني فكان بعنوان "بطاقة هوية: على قدر أهل العزم تأتي العزائم". وهنا يطرح الكاتب مجموعة من القضايا الفكرية والأسئلة الثقافية الملحة في الوقت المعاصر، والتي شكلت محاولة الإجابة عنها عبر خبرة امتدت لعدة عقود في السلك الدبلوماسي وإدارة العلاقات الدولية والسياسية، اتسعت لتشمل العمل في أوروبا وآسيا والأمريكتين، والإشراف على مشاريع ثقافية وتعليمية من خلال شغل مناصب رفيعة، كتولي مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام، إلى جانب الخبرة العلمية والأكاديمية، شكلت بمجموعها معًا رصيدًا قويًّا لاختياره ليكون مرشح الدولة إلى اليونسكو. وأبرز الكاتب الثنائيات المتناقضة في العالم السياسي، من مثل التقدم الهائل في المعارف البشرية في المجالات الطبية والتكنولوجية والعلمية التي يفترض أن تقلل البؤس والفقر والحروب في العالم، لكننا نجد في المقابل ارتفاع وتيرة الحروب والأزمات، وفي الوقت الذي يزداد الأغنياء غنى، تتسع بشكل طردي شريحة الفقراء. وكذلك يتطرق إلى جدلية "الخصوصي والكوني" في بنية الثقافة المحلية والثقافة الإنسانية، وكيف أن الكثير من الأدبيات المرتبطة بإشكاليات الخاص والعام والتراث والمعاصرة وعناصر تكوين الهوية إنما هي وثيقة الصلة بالإرث الاستعماري للمنطقة العربية، ثم عرج على التفاعل الجدلي ما بين "الديمقراطية والتنمية الثقافية"، بحيث لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، وأهمية التواصل بين الشعوب من أجل تقليل مساحة الأفكار المسبقة عن الآخر، وتفويت الفرصة على دعاة العنف والكراهية والعنصرية، وذلك عبر اللقاء المباشر مع الآخر لتجاوز احتكار الماكينة الإعلامية لرسم صور محددة للشعوب، وتصنيفها وفق طروحات ضيقة تتفق مع الأهواء النفعية لثلة من المتنفذين في الاقتصاد والسياسة والدين، ووجوب استخدام القوة الناعمة للإعلام والدبلوماسية والتبادل الثقافي على نحو إيجابي، يتجاوز طروحات الهيمنة والتسلط والاحتكارية الأحادية إلى فضاء أرحب لتحقيق المصلحة المتعددة والمتبادلة. وعلى ذلك جعل المؤلف زاده في الطريق إلى اليونسكو مبنيًّا على الإرادة التي هي وثيقة الصلة بالحرية، والنابعة من البعد الأخلاقي الواجب، بالمعنى الذي تحدث عنه الفيلسوف كانط. إن التزامي الأخلاقي نابع من شعوري الداخلي بوجوب عمل الخير وما ينفع البشرية، أما الدعامة الأخرى فكانت هي الطموح، بالمعنى الذي يكون فيه السعي للسلطة يمر عبر المسارب الأخلاقية النزيهة، والمنافسة المشروعة، ويكون الهدف الأسمى من هذا الطموح هو خدمة الأغراض النبيلة لا المنافع الفردية والأنانية الضيقة.
وجاء الفصل الثالث بعنوان "جواز السفر: برنامجي الانتخابيّ"، حيث كان الهدف الأساسي للترشح لا يبتغي الحصول على منصب فخري لدولة قطر، بل يعكس الوعي السياسي للقيادة القطرية بضرورة تفعيل مبادئ منظمة اليونسكو وعلى وجه الخصوص حق التعليم لكل إنسان في العالم. وكان المأمول أن يتم تطوير المبادرة المشتركة ما بين قطر والمنظمة، والتي أثمرت عن تمكين عشرة ملايين طفل من الحصول على التعليم الأساسي في نهاية عام 2015م، بما فيها تعزيز انتشار التعليم بين النساء من أجل تفعيل دورهن في الحياة الاجتماعية، خاصة في القارتين الأفريقية والآسيوية. ولم يكن هذا المطلب بالبدعة، فقد كان لأجدادنا العرب مساهمة بارزة في تاريخ الحضارة الإنسانية في نشر العلم والمعرفة. إلى جانب تأكيد ضرورة تمكين المجتمعات كافة من وسائل التقنية والتقدم وحرية التعبير الإعلامي والاجتماعي، وصيانة التراث العالمي مع الالتزام التام "بحماية التنوع الطبيعي واللُّغوي وصون التراث الثقافي المادي وغير المادي والمغمور" (ص62). وإعادة الحيوية لدور المنظمة بوصفها محطة مركزية "لحوار الحضارات" ولقاء المجتمعات الإنسانية. وبعبارة الأستاذ الكواري: "يَحدُونا هاجسُ إعطاء انطلاقةٍ جديدةٍ لحوار الأفكار الذي جعل من اليونسكو إبّان تأسيسها مركزًا عالميًّا للحوارات وتبادل الآراء" (ص64)، عبر دعوة المثقفين ومراكز التأثير العالمية لمرات في العام الواحد للقاء في مركز المنظمة في باريس، لمدارسة مقاربة وجهات النظر التي من شأنها إعلاء حرمة "الذات الإنسانية" وصون كرامتها، والانفتاح على الآخر. وكذلك عبر تنظيم الموارد الخاصة بالمنظمة، وخلق أعلى درجة ممكنة من التنسيق بين أقسامها الإدارية والتطبيقية، بحيث يصبح تحقيق أهدافها أمرًا جماهيريًّا ملموسًا لا انفكاك عنه لأي حركة تنمية مجتمعية وجسرًا ضروريًّا للمنظمات الشبابية والخيرية والإصلاحية عابرة للأوطان والحدود والبيروقراطيات المحلية. وكان من أولويات البرنامج الانتخابي التأكيد –كذلك- على بناء مفهوم "المواطنة العالميّة" (ص67).
وكان الفصل الرابع بعنوان "دورة الثقافة العربية: إسهامات العرب في الحضارة الإنسانية". في هذا الفصل يلفت الأستاذ الكواري الانتباه إلى التناقض القائم بين الإنجازات الكبيرة التي قدمها الأسلاف في رفد الحضارة الإنسانية سابقًا، وبين حقيقة أنه حتى هذا اليوم لم يُسند إلى العرب مهمة إدارة منظمة اليونسكو، التي تُعنى بالدرجة الأولى بقضايا نشر الوعي المعرفي ومحاربة الأمية وتطوير خطط التنمية. وكان هذا أحد الأسباب المحفزة للتنافس على منصب الإدارة للدورة الحادية عشرة. ويشير الكاتب إلى إشكالية مركزية الأنا في الحضارة الأوروبية عبر إنكارها حقيقة تراكمية المعرفة واعتماد الثقافات الإنسانية اللاحقة على السابقة منها، ومحاولة طمس النهضة العربية- الإسلامية في القرون الوسطى عبر إطلاق تسمية مضللة على هذه الفترة التاريخية بنعتها بـ"العصور المظلمة". ويستعرض الكاتب نماذج مشرفة من الإسهامات الحضارية العربية الإسلامية في ميادين العلوم الطبيعية والإنسانية والآداب والفنون وغيرها، وكيف كان للعرب فضل تأسيس أول جامعة في أوروبا في مدينة "ساليرنو" الإيطالية نحو عام 840م، حتى غدا الزي العربي يشير إلى المكانة العلمية والاجتماعية للطلبة الأوروبيين. هذا إلى جانب إسهامات آلاف العلماء والباحثين العرب والمسلمين، وتشهد على ذلك تركة علمية تقدر بملايين المراجع والمخطوطات التي تنتشر إلى يومنا هذا في مختلف المكتبات الوطنية والجامعية في أنحاء العالم. كما يشهد على الدور المركزي للمنطقة العربية في التاريخ الإنساني أنه يوجد أكثر من 70 موقعًا في الوطن العربي قد ضُمت إلى قائمة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي، إلى جانب الإسهام في التراث غير المادي.
وجاء الفصل الخامس بعنوان "زاد المسافر: الدبلوماسية الثقافية". وهو عنوان وثيق الصلة بتكوين الكاتب نفسه الذي زاوج في مسيرته ما بين النشاط السياسي- الدبلوماسي والتحصيل العلمي- المعرفي، وهذه الدبلوماسية ترتكز بالدرجة الأولى على مخاطبة العقول والضمائر لتجاوز الخلافات السياسية، وهي النمط الذي تنتهجه كذلك منظمة اليونسكو في التعامل مع مناطق الأزمات في العالم. ولا شك أن هذا النوع من الدبلوماسية يحتاج إلى نضج الوعي السياسي وبعد النظر، الأمر الذي للأسف لم تراعه دول الحصار حين فضلت أن يذهب كرسي الإدارة إلى فرنسا على أن تضطلع به دولة قطر العربية! ولا يخفى على أحد أهمية "الكاريزما" الشخصية في هذا النوع من الدبلوماسية، وامتلاك القدرة على مخاطبة الآخر، واللقاء معه في نقاط المصالح المشتركة على أساس من الاحترام المتبادل.
أما الفصل السادس فكان بعنوان "رحلة إلى بابل المعرفة: الجامعة حاضنة التغيير". وفيه يؤكد الكاتب إيمانه العميق بأهمية المؤسسات الجامعية، وضرورة إشراك جيل الشباب في صناعة نهضة الحاضر والغد، وعلى ذلك كان اختياره بأن يكون الإعلان للترشح لليونسكو انطلاقًا من جامعة قطر قبل أي مكان آخر، تأكيدًا على أهمية المثقفين والعلماء والشباب. ويتناول الفصل كذلك الظروف المعقدة التي سبقت مخاض فكرة إنشاء منظمة اليونسكو ووضعها الحالي، والبرنامج الذي وضعه الكاتب لتطوير عمل المنظمة في حال كان المنصب سيؤول إليه، مع التركيز على أولوية تفعيل برامج التعليم في البلدان النامية والمجتمعات الفقيرة، والاستفادة من الأدوات التي توفرها أجندة المنظمة للتواصل مع الشركات الكبرى والدول المؤثرة في هذا السياق. وكانت المحطة التالية المشاركة في مؤتمر منتدى "أفينيون" الدولي حول "الثقافة والإرهاب" (133)، ثم مؤتمر اتحاد الجامعات المتوسيطة في روما عام (2016م)، وكان كلتاهما محطتين مهمتين ومنبرين دوليين لمخاطبة الرأي العالمي. ثم كانت المحطة التالية في معهد الدبلوماسية الثقافية في برلين وتزامنت مع الأحداث الإرهاربية في مدينة ميونخ عام (2016م). وكان مناسبة لتقريب وجهات النظر ومخاطبة الرأي العام في ألمانيا والمجتمعات الأوروبية. ثم تلتها زيارة الصين بوصفها إحدى أكبر الحضارات الفاعلة في الوقت المعاصر في المجتمع الإنساني، ولكونها تشكل كذلك شريكًا مهمًّا للتبادل الاقتصادي والتجاري مع العالم العربي برأس مال يقدر بثلاثمئة مليار سنويًّا، وصادفت المحاضرة في جامعة بيجين السنة الثقافية القطرية- الصينية، وتتابعت المحطات من جامعة غانا إلى قمة أوراسيا إلى محطات كثيرة لاحقة كان هدفها التعريف بالمرشح وببرنامجه الإصلاحي للمنظمة وكيفية تفعيل دورها.
وجاء الفصل السابع من الكتاب بعنوان "دفتر الرحلة: يوميات الحملة الانتخابية". في هذا الفصل يخبرنا الكاتب عن تجربة التواصل المباشر مع الآخرين خلال الحملة الانتخابية، مؤكدًا أهمية أن يقدم المرء نفسه من غير تصنع أو تزلف وتزييف، وأن يحرص على أن يعكس خطابه هويته الحقيقية، وأن يركز على القضايا والهموم المشتركة بين الشعوب، وهذا لم يكن ممكنًا من غير استيعاب عميق لخرائط العالم الجغرافية والسياسية والديمغرافية، وكان لابد من أن تكون الدوحة بوصلته التي يقيس منها وإليها الدروب. وعلى شعاب هذه الرحلة محطة مهمة تميزت بها دولة الكويت بمبادرة أخوية عربية أصيلة، حيث انسحبت مع سلطنة عمان من عضوية المجلس التنفيذي "كي تقويا من حظوظ دولة قطر في إحراز العضوية" (ص183). وفي المقابل كانت هناك محطات عسيرة، مثل دعوة اتحاد الكتاب العرب المسيطر عليه من بعض الدولة العربية التي أرادت تجيير الترشيح لصالح مرشح آخر، وجاء الموقف التونسي حصيفًا لفضح هذه المحاولة لشق الصفوف وتشتيت الأصوات العربية. وكان لجنوب أفريقيا ورئيسها موقف مماثل ومساعد في الدعم المعنوي، ومثله كذلك موقف حكومة كينيا، وأوغندا، ودول الكاريبي، ودول أمريكا الوسطى، وكان للمكسيك تفاعل مهني مع برنامج الترشح، ثم تتابعت الزيارات إلى البرازيل، وبنغلاديش، وسيريلانكا، ونيبال، وباكستان، والهند، وزامبيا، والموزمبيق، وجزر الموريس، وختامًا بالجمهورية الروسية.
ونصل إلى الفصل الثامن وهو بعنوان "مسافرون كثر والوجهة واحدة: المرشحون والمنافسة على منصب المدير العام لليونسكو". ويستعرض الكاتب فيه بقية المرشحين للمنصب من عدة نواح، ويبين أن معايير اختيار المرشح لا تعتمد فقط على خبراته وصفاته، وإنما ثمة كواليس تتدخل بها المصالح السياسية المعقدة بين الدول ونفوذها وهيمنتها ضمن المنظمة. وعن تعدد المرشحين العرب رأى الأستاذ الكواري أنه "تكثير للفرص أمام المجتمع الدولي لاختيار الشخص الأنسب لتولي هذه المهمة..." (ص227). هذا رغم الدور السلبي والمفاجئ الذي نتج من ترشيح لبنان مرشحين: أحدهما فرض من دولة عربية أخرى على لبنان، وآخر مرشحة أمضت حياتها تعمل ممثلة لدولة غير عربية، والمنصب يَفترض أنه يمثل مرشحًا عن المنطقة العربية! ولم تتمكن الإمكانيات المادية من دعم حملة المرشح المصري الذي تم ترشيحه بعد مرور سنة كاملة على إعلان قطر نيتها الترشح. وكان لتغيير السودان موقفه في التصويت الأخير تحت ضغط دول الحصار آثرًا حاسمًا إذا ما تم النظر إلى كون الفوز أو الخسارة كان قد تعلق بفارق صوت واحد! ومن المحطات القاسية محاولة التشهير بعرض الرجل، والإساءة إلى أهل بيته بوصمهم- بهتانًا- بالجهل والانغلاق، ومحاولة "مصادرة حب مصر من العرب" (243). وأشار الكاتب إلى المرشح اليمني ونبل تصرفه، ثم تناول انبطاعاته وتجربته حول المرشحين غير العرب، مثل الأذري، والغواتيمالي، والصيني، والإيطالي، وتوقف أكثر أمام المنافسة الأقوى وهي المرشحة الفرنسية، وذكر تفاصيل من كواليس التحرك الإماراتي في هذا السياق لوضع العصا في العجلة أمام المرشح القطري.
وجاء الفصل التاسع والأخير تحت عنوان "الطريق إلى اليونسكو: مسالك ومنعرجات". حيث ينقلنا الكاتب إلى أجواء تقديم البرنامج الانتخابي أمام أعضاء المكتب التنفيذي لليونسكو، ومناقشتهم إياه عبر البث المباشر على قناة المنظمة على الشبكة العنكبوتية، فكانت لحظات حاسمة، تستلزم الكثير من التركيز وروح التحدي وضبط الأعصاب. ومن الأشياء الطريفة أن البعض أطلق على حملته اسم "البلدوزر"؛ نظرًا إلى كثافة الاتصالات التي سبقتها، وسعة شبكة العلاقات الدبلوماسية المرتبطة بها، وتعدد الموضوعات التي تضمنتها، وكان على رأسها أولوية التعليم، وتسخير العلم والتقنية لخدمة الإنسان، وتعزيز حفظ التراث الإنساني، وضمان حرية التعبير وتدفق المعلومات. ولكن في الوقت الذي كان يركز فيه على توصيل الصوت العربي بزخمه، ويحاول تقديمه بالشكل الذي يليق بأهمية المنطقة العربية عالميًّا، ولإظهار استحقاقية العرب لإدارة المنظمة، كان على الطرف الثاني عصبة من الأجهزة المخابراتية لبعض الدول الشقيقة تمارس أقصى درجات الضغط، وتمد أذرعها العابثة في الكواليس لإفشال تحقيق هذا الهدف النبيل والمنشود، لا بوصفه همًّا وطنيًّا خاصًّا بدولة قطر فحسب، بل مشروعًا قوميًّا يمتد على مستوى الوطن العربي، وإنسانيًّا يمتد على اتساع المجتمع الإنساني. وكان ما كان من إفشال وتآمر على الرغبة العربية الجادة لإدارة المنظمة، وذهب المنصب بفارق صوت واحد إلى المرشحة الفرنسية.
ويختم الأستاذ الكواري كتابه بعنوانٍ يبث الأمل والعزيمة على استئناف العمل ومتابعة المسيرة، خدمةً للأمة والإنسانية، وبدورنا ندعو جميع القراء والمهتمين إلى الاطلاع على هذا العمل المكثف، الذي يمكن معاملته على أنه وثيقة تاريخية تنقل لنا بأمانة كواليس رحلة الترشح لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، والظروف المعقدة التي سبقتها ورافقتها، والأدوار المشينة التي لعبتها بعض الدول الشقيقة، مقابل المواقف المشرفة لدول شقيقة وصديقة أخرى. وسيلاحظ القارئ أنه إلى جانب تضمن الكتاب العديد من الموضوعات المهمة والحساسة، فإنه تميز كذلك بعباراته الرشيقة وأسلوبه السلس والممتع.
-
2023-01-08 مؤتمر الترجمة وإشكالات المثاقفة (9)
-
2022-02-28 يوميات جوردون في الخرطوم
-
2022-01-18 عن المثقف الإسلامي والأمراض العربية
-
2022-01-18 تهافت الفلاسفة