الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا

الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا

مراجعة نشرتها مجلة رؤية تركية في عددها الأخير ربيع 2015 لكتاب الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا

نبيل المغربي

في إطار السعي المتواصل والجهد الدؤوب الذي يتمتع به الدكتو حمدي عبدالرحمن لأداء دور متميز في عملية تشكيل الوعي العربي والإسلامي، وتعريفه بخطورة التهديدات التي يطرحها الكيان الصهيوني لدول الجوار الإفريقية، صدر حديثًا كتاب " الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا" عن منتدى العلاقات العربية والدولية بالمؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا).

يقع الكتاب في 126 صفحة، يتناول فيها الكاتب العلاقات الإفريقية –الإسرائيلية بمختلف أبعادها: السياسية والثقافية والاقتصادية، ويعالج قضية الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا، بالتركيز على تحديد الثابت والمتغير في الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، والأدوات المستخدمة لتنفيذ هذه الأهداف، وعلاقة ذلك كله بالأمن العربي.

ويحاول المؤلف في كتابه تحليل أهداف السياسة الإسرائيلية ومحدداتها تجاه أفريقيا وذلك لبيان حقيقة الوجود الإسرائيلي في أفريقيا في مدد زمنية مختلفة؛ لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية منذ بداية التغلغل في الخمسينات والستينيات، ومرورًا بالقطيعة الإفريقية لإسرائيل في السبعينيات، وانتهاءً بالعودة الثانية لإسرائيل إلى أفريقيا، ومالحق بها من تغيرات وتحولات على مستوى الأهداف والسياسات. يتناول بعد ذلك التغير والثبات في قضايا العلاقات الإسرائيلية الإفريقية.

كما يتوقف عند أهم الوسائل والأساليب المتبعة في هذه العلاقة. وقد خصص الفصل الأول لرصد أهداف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا ومحدداتها، وهي أهداف ترتكز على المصالح والقناعات الأيديولوجية في المنطقة انطلاقًا من خصوصية الدولة العبرية، وأهم هذه الأهداف: كسر حدة العزلة الدولية التي فرضتها الدول العربية على إسرائيل، وكسب تأييد الدول الإفريقية من أجل كسب الصراع العربي الإسرائيلي، والعمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية، والسعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي؛ من حيث تأمين كيان الدولة العبرية وضمان هجرة اليهود الأفارقة إليها بالإضافة إلى بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية وتتجلى محددات السياسة الإسرائيلية في التعامل مع إفريقيا في محورية الصراع العربي الإسرائيلي عند هذه الدول، بالإضافة إلى أهمية إفريقيا وحضورها في أجندة الدولة العبرية.

أما الفصل الثاني فقد تناول العصر الذهبي للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية ما بين 1957 و 1967، حيث أولت إسرائيل العلاقات مع أفريقيا عناية كبيرة، وأقامت علاقات دبلوماسية مع (33) دولة إفريقية، وقد رصد الكتاب دوافع هذه العلاقات وأسبابهاـ وبين كذلك العوائق التي وقفت في وجه إسرائيل، والجهود التي بذلها العرب من أجل توسيع الفجوة بينها مع الدول الإفريقية، كما وقع في مؤتمر الدار البيضاء سنة 1961، وأوضح الكاتب الاتجاهات الإفريقية المبكرة تجاه إسرائيل التي كانت بمثابة الآذان الصاغية لرؤية الدولة العبرية، وهو ما دفع بعلاقات القارة السمراء مع إسرائيل أشواطًا بعيدة.

وحصر المؤلف مجالات هذه العلاقات – بالإضافة إلى السياق الدبلوماسي- في المجالات: الفنية والتجارية والسياحية. وعزا الفصل الثالث- الذي خصصه المؤلف لفترة التدهور والقطيعة – تراجع العلاقات إلى تغير مدركات الأفارقة تجاه أزمة الشرق الأوسط؛ إذ نجحت الجهود العربية في منظمة الوحدة الأفريقية، وفي الأمم المتحدة في استصدار قرارات بإدانة إسرائيل وسياساتها التوسعية. ويوضح الفصل الرابع أن هذه العلاقة قد عادت إلى أوجها مرة ثانية مابين 1982 و 1991، حيث عادت العلاقات تدريجيًا مع الدول الأفريقية، بداية من دولة زائير سنة 1982، حيث اعتمدت إسرائيل على نفوذها داخل الولايات المتحدة.

أما الفصل الخامس من الكتاب فقد خصص لموضوع سياسات التطبيع وعودة الروح، وغطى الفترة مابين 1991 و 2011، وقد تميز بتوقيع معاهدات السلام، وباغتنام إسرائيل التفكك الحاصل في إفريقيا لإعادة علاقاتها الدبلوماسية وتثبيتها من جديد. وعدد الفصل السادس من الكتاب أدوات الاختراق والهيمنة الإسرائيلية لإفريقيا.

ويحاول الكتاب تعريف القارئ العربي بالدور الذي تؤديه إسرائيل في الوقت الراهن داخل القارة الإفريقية، وما تشكله الاستراتيجية الإسرائيلية من خطورة على الأمن القومي العربي، وسط سعي إسرائيل المتواصل للإضرار بمصالح العديد من الدول العربية الإفريقية وعلى رأسها مصر والسودان والجزائر، إذ يعرج في كتابه للحديث عن الدور الذي تقوم به إسرائيل في جنوب السودان، وما يمثله ذلك من انعكاسات على مصر بعد ثورة 25 يناير، كاشفًا النقاب عن كيفية التغلغل الإسرائيلي هناك مستخدمة عدة وسائل، على رأسها توظيف أدوات قواتها الناعمة لكسب عقول وقلوب شعب جنوب السودان، فضلًا عن توظيف ملف مياه النيل سياسيًا بهدف محاصرة منظومة الأمن القومي العربي بشكل عام، والمصري على وجه الخصوص.

كما يتحدث عن سعي إسرائيل إلى نسج منظومة علاقات متشعبة مع جنوب السودان بهدف محاصرة النفوذ الإيراني لمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن التحرك الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بهدف صياغة منطقة جنوب السودان وشرق إفريقيا لخدمة المصالح الإسرائيلية والغربية وتصفية النفوذ العربي والإسلامي فيها.

ولا يكتفي بذلك، بل يتحدث عن خفايا الوجود الإسرائيلي في منطقة حوض النيل، وعلاقات تل أبيب المتشعبة مع كينيا وإثيوبيا، والتوقيع معها على اتفاق لتوزيع الكهرباء التي سيتم انتاجها من سد النهضة المزمع بناؤه.. كل ذلك بهدف محاصرة مصر وابتزازها، وهو ما تجلى في عرض إسرائيل التوسط بين مصر وإثيوبيا لحل أزمة سد النهضة.

ويخصص المؤلف خاتمة الكتاب للجواب على السؤال الآتي: ما السبيل عربيا للحد من هذا الاختراق الإسرائيلي للقارة الأفريقية، ويجيب عن ذلك بطرح مجموعة من المفاهيم والمضامين التي تصلح لإقامة حوار استراتيجي جديد يتجاوز إشكاليات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على دول الأركان، للعالمين العربي والإسلامي في القارة الأفريقية وهي كالآتي:

أولًا: إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري المتعلق بالعربوية والإسلام والأفريقانية وإزالة أي إمكانية متصورة للصدام.

ثانيًأ: عدم اختزال العلاقات مع الدول الإفريقية في مجال واحد من المقايضات السياسية والمقابل التجاري.

ثالثًا: الاتفاق على أسس جديدة للتعاون بين العالمين العربي والإفريقي بما يحقق المنفعة المتبادلة لكل الأطراف.

رابعًا:التركيز على المدخل غير الحكومي وتوسيع قاعدة إشراك منظمات المجتمع الأهلي في التعاون مع الدول الإفريقية.

خامسًا: توكيد مدخل ووسائل القوة الناعمة لبعض الدول العربية الكبرى، مثل مصر والسعودية والجزائر وليبيا وقطر بهدف احتواء النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا وقد دعم المؤلف مختلف فصول الكتاب بجداول ومعطيات تدعم فرضيات الكتاب وماذهب إليه.