أعضاء بشرية للبيع! سماسرة إسرائيل في كل مكان

أعضاء بشرية للبيع! سماسرة إسرائيل في كل مكان

“يقتلون أطفالنا.. ويستخدمون أعضاءهم قطع تبديل..”.

ياسر عرفات
“اشتهر اليهود بخصاء العبيد في الحواضر الإسلامية”

آدم متز

في 13 مايو 1992، أطلق الجنود الإسرائيليون النار على الشاب الفلسطيني بلال أحمد غانم (19 عاماً) فأردوه، ثم حملته سيارة جيب عسكرية إلى مشارف قريته إماتين في شمال الضفة الغربية قبل أن تنقله مروحية إلى مكان مجهول. وبعد خمسة أيام، أعيدت جثته ملفوفة بقماش المستشفيات الأخضر داخل كيس أسود. طلبت القوات الإسرائيلية حضور عدد محدود من أقارب الفتى القتيل لدفنه تحت جنح الظلام بعد أن قطعت الكهرباء عن المكان. سرعان ما اكتشف هؤلاء، بصحبة الصحفي السويدي دونالد بوستروم، أن الجثة تحمل ندبة جرح ممتد من الذقن إلى أسفل البطن، وتبين لهم أن السلطات اعتبرت أن بلال غانم تبرع، بعد موته، بأعضائه الحيوية لجلاديه دون أن تستشير حتى عائلته.

وفي أغسطس 2009 نشرت صحيفة أفتونبلاديت Aftonbladet السويدية تقريراً قالت فيه إن الجيش الإسرائيلي اختطف فلسطينيين وقتلهم وسرق أعضاءهم، ما أثار انتقاداً إسرائيلياً عنيفاً وأزمة دبلوماسية حادة بين إسرائيل والسويد في ذلك الوقت. سارعت إسرائيل إلى اتهام كاتب التقرير، الصحفي السويدي دونالد بوستروم، بمعادة السامية، وشبهت القضية بـ”فرية الدم”، حين اتهم اليهود في القرون الوسطى بقتل الأطفال المسيحيين واستخدام دمائهم في الشعائر الدينية.

لكن التلفزيون الإسرائيلي أكد في تقرير بثه في ديسمبر أن مستشفيات إسرائيلية أجرت عمليات لانتزاع أعضاء مثل القرنية والقلب وجلد الظهر من قتلى فلسطينيين وزرعها في مرضى إسرائيليين، دون استئذان عائلاتهم أو حتى إبلاغها. وفي الحقيقة، فإن سرقة الأعضاء البشرية ممارسة إسرائيلية متبعة وموثقة على مدى السنوات، وفي بعض الحالات ساهمت الحكومة في التمويل، بينما شارك فيها كبار المسؤولين والأطباء والوزراء.

احتلت إسرائيل مركز تجارة الأعضاء في العالم. إذ إن نقص عدد المتبرعين جراء التقاليد الدينية اليهودية وسع الفجوة بين العرض والطلب، ما أدى إلى ظهور ما يعرف باسم “سياحة زراعة الأعضاء”، حيث يسافر المرضى المحتاجون إلى زراعة عضو حيوي إلى المراكز الصحية في الخارج للحصول على بغيتهم، وذلك حين يتراجع مستوى العنف في الأراضي المحتلة ومن ثم ينضب المورد أو يكاد، أي ينخفض عدد الفلسطينيين القتلى الذين يمكن استخدام أعضائهم (= تراجع العرض!)*.

حاول إيهود أولمرت، حين كان وزيراً للصحة عام 1992، التصدي لمشكلة الفجوة بين العرض والطلب في زراعة الأعضاء، فأطلق حملة كبرى لتشجيع الإسرائيليين على تسجيل أسمائهم للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة. حققت الحملة نجاحاً مشهوداً، لكن في أثنائها بدأ الفلسطينيون في قرى الضفة الغربية وقطاع غزة يلاحظون اختفاء عدد من شبابهم. وكانت السلطات الإسرائيلية تعيد جثثهم بعد خمسة أيام وقد فقدت منها بعض الأعضاء الحيوية.

يصعب توثيق جميع الحالات التي تورطت فيها إسرائيل في سرقة أعضاء حيوية من البشر الأحياء (والأموات). في مناسبات عديدة تعرض “المتبرعون” للخديعة، ولم يقدم لهم سوى جزء ضئيل من المبلغ الموعود، أو لم يحصلوا على أي تعويض على الإطلاق. في عام 2007، ذكرت صحيفة هآرتز الإسرائيلية أن رجلين اعترفا “بإقناع عدد من العرب المعاقين عقلياً بالموافقة على بيع كلاهم”، ثم رفضا الدفع لهم. وأضافت الصحيفة بأنهما جزء من عصابة إجرامية تضم جراحاً إسرائيلياً معروفاً. ووفقاً للاتهام، باع الجراح الكلية بمبلغ تراوح بين 125.000 و 135.000 دولار.

ارتبط عدد كبير من عمليات سرقة الأعضاء البشرية (من العرب والأجانب) بواحد من أبرز الأطباء الإسرائيليين: يهودا هيس، مدير معهد الطب الشرعي في أبو كبير، ومدير مشرحة الدولة بين عامي 1988-2004. من الأمثلة النموذجية على أسلوب يهودا في العمل حالة ألسيدير سنكلير، وهو سائح اسكتلندي توفي في ظروف مريبة بعد أن اعتقل في مطار بن غوريون عام 1998. تقول الرواية الإسرائيلية إن سنكلير اعترف بتهريب المخدرات، وزعمت الشرطة أنه حاول شنق نفسه في مكان الاحتجاز، لكن المسعفين تمكنوا من إنقاذ حياته في آخر لحظة وإعادة النبض إلى قلبه، قبل أن ينقل إلى أحد المستشفيات، حيث قال المدير المساعد الدكتور ييغال هالبيرين إن سنكلير “أصيب بتلف دماغي لا يمكن إصلاحه. ثم توفي بعد قليل ونقلت جثته إلى معهد الطب الشرعي في أبو كبير لتشريحها”. اتصلت السلطات الإسرائيلية بعائلة سنكلير واقترحت دفن الجثة في مقبرة مسيحية في إسرائيل، مشيرة إلى أن ذلك يخفض تكاليف شحن الجثة إلى اسكتلندا إلى الثلث. لكن العائلة تمكنت من جمع المال اللازم لإحضار الجثمان إلى الوطن، حيث خضع لتشريح آخر في جامعة غلاسكو، وتبين فقدان القلب وعظمة صغيرة في الحلق. قدمت الحكومة البريطانية شكوى إلى السلطات الإسرائيلية، فأرسلت “قلباً” من مخزونها من القلوب المسروقة إلى اسكتلندا، لكن العائلة “أرادت من معهد الطب الشرعي إجراء اختبار د.ن.أ لإثبات أن القلب يعود إلى ابنها فعلاً، إلا أن المدير، الدكتور يهودا هيس، رفض بحجة التكاليف الباهظة”.

تواصلت الاتهامات الموجهة إلى الدكتور يهودا هيس ومعهد أبو كبير للطب الشرعي بسرقة الأعضاء البشرية على مدى السنوات. في عام 2000، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تحقيقاً زعمت فيه أن هيس يستأصل الأعضاء من الأجساد البشرية دون إذن ويضع مكانها الضمادات والقطن قبل دفنها. وأكدت أن هيس والمعهد متورطان في عمليات بيع أعضاء بشرية –”أرجل، وأثداء، ومبايض، وخصى”- إلى مراكز البحوث الطبية.

وفي عام 2001، وجد قاضي التحقيق أن المعهد أجرى المئات من عمليات التشريح واستأصل أعضاء بشرية دون موافقة عائلات الموتى، وفي بعض الأحيان خلافاً لرغبتها. وأشار أحد التقارير إلى وجود “متحف للجماجم” داخل المعهد. في الحقيقة ارتبط اسم هيس بفضيحتين اهتزت لهما إسرائيل: الأولى تتعلق بالأطفال اليمنيين، حيث “اختفى” نحو ألف من الأطفال اليمنيين المهاجرين حديثاً إلى إسرائيل. فحين كان المهاجرون يصلون من “الشتات” إلى أرض الميعاد في الخمسينيات يؤخذ منهم أطفالهم ويوضعون في أماكن إيواء خاصة. وأدخل كثير منهم المستشفيات بسبب أمراض أصيبوا بها وتوفي المئات. بينما حرمت العائلات الثكلى من رؤية الجثث أو الحصول على شهادات وفاة، وساد اعتقاد بأن الأطفال لم يموتوا كلهم، بل أعطي بعضهم إلى آباء وأمهات من الأشكناز. ومن الحقائق المعروفة بين الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، كما أكد أحد الكتاب، أن من السهل الحصول على طفل من السماسرة والحاخامات بعد دفع الأتعاب الضرورية.

لعب هيس أيضاً دوراً مهماً في قضية اغتيال إسحق رابين عام 1995. ففي مارس عام 1999، عرضت مجموعة من الأكاديميين نتائج توصلت إليها تؤكد أن هيس قدم أدلة مزيفة إلى اللجنة المكلفة بالتحقيق في الاغتيال.

استهدفت إسرائيل السكان الفلسطينيين المستضعفين على مستويات متعددة. فقد ذكرت نانسي شيبر-هيوز، أستاذة الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة كاليفورنيا -بيركلي، ومؤلفة العديد من الكتب والمقالات المتخصصة بتجارة الأعضاء البشرية، ذكرت في شهادة مكتوبة أمام اللجنة الفرعية المعنية بالعلاقات الدولية وحقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي، أن الدكتور زكي شابيرا، أحد أشهر الجراحين الإسرائيليين، حدد بائعي الكلى الفلسطينيين من بين العمال الفقراء في غزة وأجرى نحو ثلاثمئة عملية زرع “قبل أن ينقل نشاطه إلى خارج البلاد”. وأكدت أن “جماعات حقوق الإنسان في الضفة الغربية اشتكت من أن الأطباء الإسرائيليين في المعاهد الطبية في تل أبيب يسرقون أعضاء القتلى الفلسطينيين وأنسجتهم”.

في أبريل من عام 1990، أشارت صحيفة واشنطن ريبورت إلى انتشار مشاعر القلق في غزة والضفة الغربية من سرقة الأعضاء البشرية، وأوردت دلائل واضحة تثبت أن أعضاء حيوية مثل العيون والكلى انتزعت من أجساد الفلسطينيين في أثناء السنة الأولى من الانتفاضة.

وفي 30 ديسمبر من عام 2002، قتل الجنود الإسرائيليون ثلاثة صبية فلسطينيين (تتراوح أعمارهم بين 14-15 سنة)، وأعيدت جثثهم في 6 يناير. لكن السلطات الصحية الفلسطينية اكتشفت قبيل الدفن فقدان الأعضاء الرئيسية الحيوية من أجساد الأطفال القتلى.

من الجدير بالذكر أن أول عملية زراعة قلب في إسرائيل أجريت بقلب مسروق! ففي عام 1968 توفي أفراهام ساديغات فجأة بعد يومين من دخوله إحدى مستشفيات بتاح تكفاه. وحين تمكنت أسرته أخيراً من استرداد الجثة (رفض المستشفى في البداية تسليمها) وجدت أن الصدر محشو بالضمادات. وعند إزالتها تبين أن القلب مفقود. في هذه الأثناء، كانت الصحافة الإسرائيلية تمجد الإنجاز التاريخي الذي تحقق على أيدي فريق من جراحي القلب الذين سيصبحون من أشهر الأطباء الإسرائيليين. وعندما بدأت الأسرة تطرح الأسئلة، أنكر المستشفى في البداية أي صلة له بالقضية، لكنه اعترف تحت ضغط الرأي العام بأن قلب ساديغات المسكين هو الذي استخدم في العملية. ونقلت صحيفة هآرتز عن زوجته الباكية قولها: “عاملوه مثل قطط الأزقة. ومنذ اللحظة التي دخل فيها المستشفى وجدوا فيه مصدراً محتملاً للأعضاء، لا إنساناً يحتاج إلى علاج. وانحصر همهم في إخفاء الحقيقة عنا”. من المحتمل –بل المرجح- أن قلب الرجل كان ينبض قبل أن يستأصل، إذ يؤكد الأطباء الإسرائيليون المختصون أن “القلب لا يصلح للزراعة بعد أن يتوقف عن النبض”. وبعد أربعين سنة، احتفل المستشفى بالمناسبة التاريخية على الرغم من حصوله على القلب “بالغش والخداع” حسب تعبير هآرتز. في هذه الحادثة بالذات، كان القلب المسروق إسرائيلياً، أما لو كان فلسطينياً من الضفة أو القطاع، لضاعت الجريمة في غياهب النسيان، وتعرض من يفضحها إلى الاتهام بمعاداة السامية.

لا ريب في أن التجار والسماسرة ينتمون إلى عديد من البلدان والأجناس والإثنيات، ومن بينهم أمريكيون وعرب، لكن “إسرائيل تتربع على القمة. وأذرعها الأخطبوطية تمتد إلى أركان العالم الأربعة”، كما قالت شيبر-هيوز. وأشارت في محاضرة لها إلى وجود نظام هرمي فعال يساعد تجار الأعضاء الإسرائيليين على التفوق في “البيزنس” على سواهم.. نظام “مؤلف من سماسرة، وحسابات مصرفية، ومجندين، ومترجمين، ووكلاء سفر”، فضلا عن شوفينية راسخة البنيان وحقد دفين لا يلين.

تعتمد تجارة الأعضاء، كما تصفها شيبر-هيوز، على “دفع المال إلى الفقراء والجياع للتخلي عن أعضائهم للأثرياء”. يطارد السماسرة ضحاياهم من الفقراء والمحرومين لاقتناص أعضائهم الحيوية في شتى أرجاء العالم –في مدن الصفيح، وأحزمة الفقر، والمساكن العشوائية، والقرى النائية. ويعدونهم بمبالغ فلكية بالنسبة لهم (1000 إلى 10.000 دولار!) مقابل التخلي عنها، وفي حالات كثيرة لا يحصل هؤلاء على شيء.

وتؤكد شيبر-هيوز في شهادتها أن “بيع الأعضاء والأنسجة البشرية يتطلب وجود فقراء ومحرومين، بل يحتاج إلى شعوب تقوم بدور المورد. في هذا السيناريو، تتعرض أجساد معينة للتقطيع والتشويه والنقل والمعالجة، ثم البيع لمصلحة مجموعة أكثر حظاً وثراء من المتلقين”. وتعتقد أن مخاطر عملية زراعة الأعضاء ومكاسبها يجب أن توزع على نحو أكثر عدالة ومساواة بين الأمم، والمجموعات الإثنية، والطبقات الاجتماعية.

في بعض المناسبات، يجبر الناس بالقوة على التبرع بأعضائهم. على سبيل المثال، كان الحاخام ليفي إسحق روزنبوم، تاجر الأعضاء الذي اعتقله عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيوجرسي، يحمل مسدساً. وحين يحاول بائع الكلية التهرب أو التراجع يهدده روزنبوم بالقتل. وتبين للمحققين أن روزنبوم جزء من عصابة إجرامية مركزها إسرائيل، واعترف على رؤوس الأشهاد بأنه يشتري الكلية مقابل 10.000 دولار من المتبرعين الفقراء، ثم يبيعها إلى المرضى الأغنياء في الولايات المتحدة بمبلغ يتجاوز 160.000 دولار.

ناقشت شيبر-هيوز دافعين محفزين للسماسرة الإسرائيليين. الأول شائع معروف: الطمع، والثاني صادم مروع: الانتقام –للتعويض عما جرى في المحرقة. ونقلت حواراً أجرته مع سماسرة إسرائيليين قالوا: “العين بالعين والسن بالسن. سوف نأخذ كل كلية وكبد وقلب نستطيع الحصول عليه. لنا دين برقبة العالم”. بل أكدت أنها سمعت أطباء إسرائيليين مرموقين يرددون هذه المقولة الفظيعة.

على مدى السنوات، ظل الإسرائيليون المحتاجون إلى أعضاء يلجؤون إلى “سياحة زراعة الأعضاء” –أي السفر إلى البلدان الأخرى للحصول على الأعضاء الداخلية. في بعض الأحيان، يتم الحصول على الأعضاء من أشخاص توفوا حديثاً؛ لكن أغلبية الأعضاء تشترى من المعدمين والمحرومين. وبينما يتبع هذه الممارسة الأغنياء من بلدان عديدة، إلا أن إسرائيل متفردة ومتميزة لعدة أسباب. أولاً، ينخرط الإسرائيليون في هذه الممارسة بمعدلات مرتفعة. ووفقاً لتقرير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية عام 2001، يشتري الإسرائيليون عدداً أكبر من الكلى بالنسبة لعدد السكان مقارنة بأي دولة أخرى. ثانياً، تشهد إسرائيل أدنى معدل تبرع في العالم –خمس المعدل في أوروبا. ويعود جزء من السبب إلى الانطباع السائد بأن الديانة اليهودية تحرم زراعة الأعضاء بوصفها “تدنيساً للجسد البشري”. ثالثاً، شجعت الحكومة الإسرائيلية الممارسة. فقد وفر النظام الصحي الإسرائيلي دعماً مالياً للإسرائيليين، بلغ 80.000 دولار أحياناً لإجراء العملية في الخارج. بينما يمكن جمع باقي التكاليف من خطط الضمان التي تقدمها الحكومة للمواطنين. ومن الجدير بالذكر أن وزارة الدفاع متورطة بشكل مباشر في القضية.

تعد مولدوفا (مسقط رأس وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان) أفقر دولة في أوروبا، حيث يعيش 90 في المئة من السكان على أقل من دولارين في اليوم. وذكر تقرير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية حول تجارة الأعضاء البشرية عام 2001 أن “مئات الإسرائيليين أقاموا خط إنتاج يبدأ من قرى مولدوفا المعدمة، حيث يعيش مئات الأشخاص الآن بكلية واحدة”. أما في البرازيل فقد وجدت لجنة تشريعية أن 30 برازيلياً من أحياء الفقر (وربما يصل العدد إلى 60) قد باعوا كلاهم إلى عصابة لتجارة الأعضاء يرأسها إسرائيليون، ثم زرعت في مرضى إسرائيليين، بتمويل من الحكومة. وبدأت العصابة تستقصي شراء أعضاء حيوية أخرى من السكان الفقراء، تشمل الرئة والكبد والقرنية. عبر الدكتور ريموندو بيمنتيل رئيس اللجنة التشريعية البرازيلية عن غضبه الشديد على السياسات الإسرائيلية، وأشار إلى أن تجارة الأعضاء لا يمكن أن تحدث على هذا النطاق الواسع من دون مصدر كبير للتمويل، مثل النظام الصحي الإسرائيلي، الذي شكل برأيه “عاملاً حاسماً” في تمكين شبكة أخطبوطية تطارد أفقر الشرائح السكانية في المجتمع.

في عام 2004 أضاف سماسرة الأعضاء الإسرائيليون الصين إلى لائحة أفقر السكان المستهدفين. في إحدى الحالات التي حدثت مؤخراً، دفع مواطن إسرائيلي إلى سمسار مبلغ 100.000 دولار للحصول على كلية من فتاة صينية في الثامنة عشرة من العمر. تلقت الفتاة 5.000 دولار لكنها توفيت جراء مضاعفات حدثت لها بعد الجراحة.

ذكر مراسل صحيفة نيويورك تايمز لاري روهتر أن السماح للسماسرة بالعمل دون قيود أفاد إسرائيل عبر “تصدير مشكلة النقص الذي تعانيه في الأعضاء إلى الخارج”. ونقل عن طبيب مختص في مستشفى هداسا في القدس قوله إن سفر المرضى إلى الخارج “يوفر على البلاد أموالاً طائلة؛ لا على مستوى عمليات غسيل الكلى فحسب، بل من ناحية منح الفرصة للآخرين على لائحة الانتظار”.

يوجز الحاخام اسحق غينزبورغ، زعيم طائفة لوبافيتش وعميد الكلية الدينية اليهودية في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، يوجز المسألة برمتها دون مواربة أو مداورة: “إذا احتاج يهودي إلى كبد، فهل يجوز أن تأخذ كبد عابر سبيل بريء لإنقاذه؟ التوراة تسمح بذلك. حياة اليهودي أكثر قداسة من غير اليهودي، وقيمتها لا تقدر بثمن”. ولا يخفي الحاخامات الحكم الشرعي الواضح الصريح: لا يجوز أبداً أخذ عضو من يهودي وزرعه في شخص آخر، لكن استئصال الأعضاء من الأغيار وزرعها في المرضى اليهود أمر مباح ومشروع ومطلوب.. وواجب أحياناً.

أخيراً، يبدو أن إسرائيل لم تعد متفردة في البراغماتية وسعة الحيلة، فقد انتقلت العدوى إلى أطراف أخرى لا تقل عنها إيماناً بالغايات التي تبرر الوسائل. إذ نشرت شبكة سي إن إن تقريراً أمنياً أعدته المعارضة السورية اتهمت فيه حزب الله اللبناني بالتورط في تجارة أعضاء اللاجئين السوريين في لبنان. وأضاف التقرير أن الضائقة المالية الشديدة التي تعصف بالحزب بسبب تدخله العسكري السافر في الحرب السورية دفعته إلى العمل سراً في تجارة الأعضاء (ولاسيما الكبد والكلية)، حيث يشتري سماسرته الكلية من اللاجئ السوري بمبلغ لا يزيد على خمسة آلاف دولار ثم يبيعونها في السوق الدولية بنحو تسعين ألف دولار.

*تقدر منظمة الصحة العالمية أن العرض في مجال الأعضاء القابلة للزرع لا يلبي سوى عشر الطلب. ولأن معظم البشر يستطيعون العيش بكلية واحدة، فإن هذا العضو يشكل الأغلبية الساحقة من عمليات الزرع المعتمدة على متبرعين أحياء، وهؤلاء يمثلون نسبة 40 في المئة من 80.000 عملية زرع تجرى في العالم كل سنة.